19 من دجنبر 2004.
تاريخ قد يبدو عاديًا، بل شبه عابر، في روزنامة الزمن السريع.
لكن في ذلك اليوم، بمدينة سلا، وُلدت فكرة بهدوء.
حلم صغير.
أمل كبير.
رهان على الزمن الطويل.
وبعد عشرين سنة، تحولت تلك البذرة إلى شجرة راسخة الجذور، قوية الأغصان: جمعية سلا المستقبل (سلا المستقبل) الراسخة في الماضي والحاضر والمستقبل.
في هذا الشهر من دجنبر 2025، تحتفل الجمعية بمرور عشرين سنة على تأسيسها.
عشرون سنة من الحضور المتواصل، والعمل الدؤوب، والوفاء لرؤية بسيطة وعميقة في آن واحد: الإيمان بأن المستقبل يُبنى هنا والآن، في ازقة المدينة بسواعد نساء ورجال الميدان، وبالدرجة الأولى مع الشباب.
في قلب هذه المسيرة، يبرز اسم رجل ارتبط تاريخه الشخصي بتاريخ الجمعية: الأستاذ مولاي إسماعيل العلوي.
لم يكن التزامه يومًا ظرفيًا أو عابرًا، بل هو مسار حياة قائم على نقل المعرفة، وترسيخ القيم، والإيمان الهادئ بالذكاء الجماعي.
بالنسبة له، لا تنتهي الجامعة عند أبواب المدرجات، ولا تبدأ المواطنة إلا عندما يقرر الإنسان أن يكون نافعًا لمحيطه.
من هذه الفلسفة وُلدت جمعية سلا المستقبل.
لم تكن مشروعًا جامدًا، بل كائنًا حيًا، يتطور، يتأقلم، يتساءل أحيانًا، لكنه لا يتوقف عن التقدم.
على مدى عشرين سنة، نسجت الجمعية العلاقات المحلية و الجهوية والوطنية والدولية ، وفتحت الآفاق، واحتضنت الأفكار الصغيرة قبل الكبيرة، ورافقت دون فرض أو إقصاء.
لكن كل عمل جماعي يحتاج إلى طاقة دائمة، إلى محرك إنساني يحرّك العجلة حين تتعب الأيدي.
وهذه الطاقة لها اسم :
الرفيق لحبيب بنمالك.
بعيدًا عن الأضواء وخارج لغة الخطب، يُعدّ القلب النابض الحقيقي لجمعية سلا المستقبل.
يعمل دون حساب، يؤمن بالفريق قبل الفرد، ويضع روح التعاون فوق كل اعتبار.
التزامه يومي، حضوره دائم، ووفاؤه لقيم الجمعية ثابت.
يعرف تفاصيل العمل، لكنه يعرف قبل ذلك الناس، ويؤمن أن الجمعيات لا تعيش بالقوانين وحدها، بل بالدفء الإنساني.
بين الأستاذ مولاي إسماعيل العلوي والحبيب بنمالك، لا توجد علاقة تراتبية جامدة، بل تكامل طبيعي.
أحدهما يمنح الرؤية والعمق والمعنى، والآخر يضخ الطاقة والاستمرارية والعمل الميداني.
ومع فريق متماسك، تحولت جمعية سلا المستقبل إلى فضاء جماعي يجد فيه كل فرد مكانه وصوته ومسؤوليته.
وخلال حفل الذكرى العشرين لتأسيس الجمعية، توقف الزمن للحظات أمام مشهد مؤثر.
حيث تم تكريم الأستاذين مولاي إسماعيل العلوي ومحمد الناصري، تقديرًا لعطائهما الفكري والإنساني الذي طبع هوية الجمعية.
وقد قُدمت لهما هدايا رمزية، من بينها كتاب «الموسيقى المغربية، تراث غني ومتنوع» للفنان المغربي الكبير صلاح الشرقي. وهو كتاب من النوع الرفيع. في 400 صفحة يتطرق الموسيقار وعازف القانون والمرلف لأربع حلقات مؤسسة لتاريخ الموسيقى المغربية : الموسيقى للاندلسية والعصرية والفلكلور المغربي وآلة القانون.
وكأنها رسالة وصل بين الثقافة والعمل الجمعوي، رافقت موسيقى القانون لهذا الفنان المبدع عرض الفيلم الوثائقي الذي استعرض عشرين سنة من الأنشطة المكثفة للجمعية.
صور تمرّ، وأوتار تعزف، وذاكرة جماعية تنبض بالحياة، في انسجام جميل بين الفن والمواطنة.
بعد عشرين سنة من التأسيس، لم تعد جمعية سلا المستقبل مجرد ذكرى.
إنها حضور فاعل في المدينة.
ذاكرة تتحرك.
ومستقبل يُكتب بصيغة الحاضر.
واحتفال سلا بهذا الحدث ليس احتفاءً بجمعية فقط، بل هو تكريم لطريقة في العمل، ولأخلاقيات في الالتزام، لنساء ورجال اختاروا الاستمرارية بدل البريق، والبناء الهادئ بدل الضجيج الإعلامي.
19 من دجنبر 2004 فتح طريقًا.
وبعد عشرين سنة، لا يزال هذا الطريق ممتدًا،
مضاءة معالمه بحكمة الأستاذ مولاي إسماعيل العلوي،
ومُكرَّمًا إلى جانب الأستاذ محمد الناصري،
ومحمولًا بطاقة أخوية لا تكلّ للرفيق الحبيب بنمالك،
ومغذّى بروح الفريق التي جعلت من جمعية سلا المستقبل أكثر من مجرد جمعية: وعدٌ تم الوفاء به.
لترافقكم أمواج المحيط يا قراصنة سلا الجدد.