سنترك جانباً هذا الطّابور الطويل من السفراء وممثلي دول العالم ينتظرون دورهم في تقديم التهاني لسفيرنا باليونسكوا بعد تسجيل القفطان المغربي كتراث إنساني لامادّي خلال الدورة الـ20 للجنة التراث الثقافي غير المادي في العاصمة الهندية.. ولن ننتبه بالمرّة إلى شطحات الوفد الجزائري الذي حاول السطو على هذا اللباس التقليدي المغربي التراثي التاريخي.. بل ما أثارني أكثر هو ان ملامح النكسة والهزيمة عند رجالات هذا النظام لا تتغيّر بتغيّر الوجوه والقاعات والمواضيع تبقى علامة ( نكسويّة) جزائرية بامتياز.. فلافرق بين بن جامع الجزائري بمجلس الأمن الدبلوماسي قبل شهرين وبين عبد النور خليفي المحنّك لحماً شبيه ( آمون الفرعوني ) وهو بالمناسبة من أسقط ممثل المغرب أرضاً باليابان بعد نزع لافتة للجمهورية الوهمية..وقد تمّ الإستعانة بهذه الكتلة اللحميّة ضمن مخطط إثارة الفوضى وعرقلة السير العادي لأشغال دورة مجلس الأمن الدولي الثقافي.. وبنفس الأسلوب في مجلس الأمن الدبلوماسي لا يخرج عن المكر والخديعة والكذب بل استعان هذه المرة بخبراء ومحامين دوليين بهدف خلق ثغرة قانونية مع محاولة تأويل لأكثر من نص وفصل في الملف المغربي..دون أن يقطع الإتصال مع قصر المراديّة مع فتوة اقتسام القفطان المغربي كتعويض رمزي عن فشل مشروع تقسيم الصحراء.
ليتكرّر مشهد 31 أكتوبر وفي أدقّ تفاصيله حتّى ان عطاف خرج ببيان باسم وزارة الخارجية يعلن فيه من جديد انتصار الجزائر في هذه المعركة الثقافية التراثية..
البيان الذي تحوّل إلى سخرية وسط رواد السوشيال ميديا اروعها هي مطالبة منظمة اليونسكوا تسجيل الكذب كتراث لامادّي باسم الجزائر..
وداخل هذا المشهد السوريالي فإن معركة القفطان هي ابعد بكثير من تنافس بين دولتين حول أحقية الإنتماء لهذا الزي أوذاك.. بل هو في العمق بالنسبة للنظام الجزائري جوابا عن ترسيم هويّة تاريخيّة كانت مفقودة درجة أن الجزائري اليوم يقف عاجزاً عن الجواب
( من انت)
هل هو عثماني تركي.. نعم- لا
هل هو فرنسيّ.. نعم- لا
هل أنت مغربي.. نعم - لا خاصة منطقة تلمسان نحو الحدود
لقد تشكل وعي الإنسان الجزائري عبر العديد من الروافد الثقافية للدول المجاورة كالمرابطين والموحّدين الذي حكموا المنطقة لمدة قرن من الزمن
أو من خلال الامبراطورية العثمانية أو عبر الاستعمار الفرنسي الذي عمّر أكثر من 132 سنة..
هي روافد ساهمت في خلق ارتباك هوياتي لدى الإنسان الجزائري وبنفسية مهزوزة شغوفة بذاكرة وتاريخ غيره
وليس هناك أكثر بلاغة لهذا التيه الهوياتي من وصف دقيق للجزائري نور الدّين بوكروح حين قال :
( الجزائر عبارة عن هجرة غير شرعية في التاريخ)
لذلك أصبح الأمر واضحا لدى الرأي العام الدولي بأن هذه المعارك ما هي إلاّ عن انتصار وهميّ لعُقدٍ نفسية، في رحلة دونكيشوتية عن مجد مفقود، وتاريخ يحاول "العسكر" صناعته ولو بأنانية مفرطة، وتغذية حقد شعبي يائس اتجاه شعوب المنطقة والعالم
هذه هي الجزائري اليوم.. ليست كيانا أصيلا وُلد من الأرض أو من شعب موحد أو من تاريخ سابق..
هي حقيقة نظام ما زال دفتر ميلاده مجهولة الهوية بأرشيفات باريس
وهي الحقيقة التي تخشاها العصابة لو فتحت ملفات التاريخ لسقطت أسطورة الدولة القارة.. والقوة الضاربة وغيرها من ثقافة النيف.. والعنثريات الفارغة وأساليب التفضيل والأفضل والأول والاحسن من كل ساكنة العالم..
ألم يردد رئيس النظام يوما ما تحذيره للعالم :
( وقل: الجزائر! واصغ إن ذكر اسمها
تجد الجبابرَ ساجدين وركَّعا
إن الجزائر فــي الوجــــود رســالة
الشعب حرَّرها.. وربك وقعا)
نعم الرسالة التى لامسها العالم اليوم أنكم جماعة لصوص.. منعدمي الأخلاق.. ودار فتنة وعداء
بل لا يشاهد إلاّ وساخة وقدارة ثيابكم الداخلية كألسنتكم المسمومة..
يوسف غريب، كاتب صحفي