الطالب بويا زايدنا: الاستثمارات بالأقاليم الجنوبية ضخمة.. لكن التنمية ما زالت دون التطلعات

الطالب بويا زايدنا: الاستثمارات بالأقاليم الجنوبية ضخمة.. لكن التنمية ما زالت دون التطلعات الطالب بويا زايدنا ماءالعينين، رئيس الفرع الجهوي لمنتدى الصحراء
شكل تخليد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء لحظةً تأملية لمراجعة مسار التنمية بالأقاليم الجنوبية للمملكة، واستحضار ما تحقق من منجزات وما ينتظر من رهانات. وفي هذا السياق، يفتح الطالب بويا زايدنا ماءالعينين، رئيس الفرع الجهوي لمنتدى الصحراء للحوار والثقافات بجهة العيون الساقية الحمراء، حوارا حول حصيلة السياسات العمومية وآفاق النموذج التنموي الجديد، مبرزا محطات التحول، وأوجه القوة والضعف، ورؤيته لمستقبل الأقاليم الجنوبية في ظل الجهوية المتقدمة.
 
 
 
بداية، كيف يمكن قراءة مسار التنمية في الأقاليم الجنوبية عموما، وجهة العيون الساقية الحمراء على وجه الخصوص؟
يقتضي التعاطي مع هذا السؤال أولا الحديث عن مشروعية الدولة التي تُكتسب من خلال مدى استجابتها وكيفية تفاعلها مع المطالب الأساسية والحاجيات ذات الأولوية وعلاقتها بالمواطنين. والمشروعية هنا نقصد بها: مشروعية الإنجاز والبناء، أي الجانب الرضائي للمواطنين وتوفير سبل العيش الكريم من قبيل الصحة والتعليم والغذاء والمياه والسكن والعمل، والسعي الجاد إلى التغلب على الإكراهات التي تحول دون تحقيق التحول المنشود.
فالحديث عن التنمية هو حديث عن النموذج التنموي الوطني في عمقه، لأن التنمية ليست مجرد مشاريع مادية، بل عملية شاملة تسعى إلى ضمان حق العيش الكريم للمواطن وتأمين الحماية من البطالة بما يجعل الإدماج الاقتصادي والاجتماعي واقعا ملموسا. التنمية الحقيقية تنطلق من الداخل، وفق ما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية تحديات الداخل ومكاشفة الخارج"، أي مواجهة الإكراهات الواقعية بجرأة ومسؤولية، نظرا لكون مفهوم التنمية يرتبط بالتوترات كما يرتبط أيضا بالاستقرار.
 
 
لو ننتقل إلى قراءة تاريخية، كيف توزعت المراحل الكبرى لتطور التنمية بهذه الأقاليم منذ سنة 1975؟
لرصد هذا المسار، وباختصار شديد، وحتى لا تبتلعنا الأحداث ووقائع الرصد التاريخي وسردياتها المنتقاة، لا بد من الوقوف على محطات من أزمنة تاريخية متعاقبة يمكن تقسيمها إلى أربع مراحل رئيسية:
- من 1975 إلى 1991: مرحلة تأسيسية يتداخل فيها ما هو أمني مع السياسي والاقتصادي، حيث شهدت المنطقة جهودا كبيرة لإعادة الإعمار وبناء المرافق الأساسية، مع اعتماد الدولة كمستثمر أول بسبب ظروف الحرب وصعوبة جلب الاستثمارات الخارجية.
- من 1991 إلى 1999: فترة الانتقال نحو الانفراج الحقوقي والسياسي، سواء من خلال العفو العام أو تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، إلى جانب تطور ملموس في البنية التحتية التعليمية والاقتصادية للجهة.
- من 1999 إلى 2011: مرحلة تميزت بتزايد الفعل الاحتجاجي نتيجة محدودية الوساطة المؤسساتية، سواء تعلق الأمر بآليات الوساطة التقليدية (الأعيان والشيوخ) أو المجتمع المدني، رغم حجم الاستثمارات التي خصصتها الدولة للجهات الجنوبية والتي لم تنعكس على التنمية بشكل واضح، ولم تواكب تطلعات الساكنة، وبقيت رهينة منطق أمني يكبح الفعل السوسيو-اقتصادي، مما ساهم في تأجيج الصراع وخلخلة بنية العلاقة بين المواطن والدولة، وبالتالي بروز أزمة الثقة واتساع الهوة بين المحتجين وصناع القرار.
وربما يعود ذلك إلى اعتبارات يرتبط جزء منها ـ فيما أعلم، بـ:
- تحديات ذات طابع تنموي، فعلى الرغم من الإنجازات الملموسة، هناك تحديات تواجه التنمية المستدامة والبشرية، ذلك أن المفارقة تكمن في أن ما يُرصد لهذه الأقاليم من استثمارات لا يتوافق مع نوع المطالب الاجتماعية.
- ضرورة التقييم الفعلي للسياسات العمومية لكي لا تبقى الانحرافات شكلا غير تعاقدي لتقييم السياسات والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية.
- ضعف جاذبية مناخ الأعمال وغموض المجال الجبائي، والغياب التام للقطاع الخاص، مع تداعيات المقاربة الأمنية، وهي ملاحظات سيسطرها لاحقا عدد من مؤسسات الحكامة والتقييم الوطنية.
كما تُضاف إلى ذلك إشكالات مرتبطة بالخصوصية، منها عاملان:
- محدودية اليد العاملة المؤهلة في مجالات تقنية وصناعية دقيقة على مستوى الجهة.
- إرث مقاربات العقدين السابقين، وربما البرامج الوطنية للتشغيل التي لا تأخذ خصوصيات الجهة بعين الاعتبار، إذ صُممت على مستوى مركزي ثم نُقلت إلى الأقاليم الجنوبية دون تكييف حقيقي.
- من 2011 إلى اليوم: مرحلة التقييم والتصحيح، انطلقت بإصلاحات دستورية كبرى، مرورا ببلورة برامج تنموية ترابية مهيكلة، وصولا إلى النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية سنة 2021.
 
 
 
رغم توالي البرامج، ما زالت التقارير تتحدث عن فجوة بين الاستثمارات المنتظرة والمطالب الاجتماعية. كيف تفسرون ذلك؟
صحيح، فخلال العشرية الثانية من الألفية الثالثة ستقف الدولة على مفارقات عجيبة بين ما يُرصد لهذه الأقاليم من استثمارات ونوعية المطالب الاجتماعية غير المحققة.
ذلك أن الاستثمارات العمومية للفرد في الأقاليم الجنوبية بلغت أكثر من 12 ألف درهم، مقابل معدل وطني لا يتجاوز 5 آلاف درهم، ومع ذلك ظل المواطن يشعر بضعف التوزيع العادل للثروة وفرص الشغل. هذه المفارقة تضع السياسات العمومية أمام تحدي المردودية والتناغم مع حاجيات السكان الفعلية.
 المطلوب اليوم تقييم السياسات التنموية ليس بالأرقام فقط، ولكن بمدى الأثر الاجتماعي الملموس.
 
 
كيف تنظرون إلى النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، وهل نجح في تجاوز أعطاب الماضي؟ وما الذي ينبغي التركيز عليه في المرحلة المقبلة لضمان إقلاع تنموي فعلي ومستدام؟
جاء تقرير اللجنة الخاصة بإعداد النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية سنة 2021، في ظرفية خاصة بهدف تقويم الاعوجاجات المتعلقة بالتنمية البشرية، لكنه وقف من جديد على إكراهات كثيرة، مبرزا التعبئة العامة التي يعرفها هذا النموذج المبتكر وأثره على المواطن، والوقوف على المعوقات التي تحول دون تحقيق التحول المطلوب، والدعوة إلى إرساء أسس جهوية متقدمة فعلية من خلال مجموعة من التوصيات والملاحظات لتجاوز الاختلالات، وخاصة تشجيع المبادرة الخاصة والاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
غير أنه، ومع ذلك، وبناء على الإرشادات التي قدمها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومضامين العقد-البرنامج لتمويل وإنجاز برنامج التنمية المندمجة، استفادت جهة العيون كباقي الجهات الجنوبية من مجهودات كبيرة سُخرت في مجال الاستثمار لتمكين هذه الأقاليم بما يلزم من تجهيزات وبنيات تحتية، بهدف تحقيق تطلعات الساكنة وتوفير شروط الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية.
مما يؤكد بالملموس المكانة التي أصبح يحتلها النموذج التنموي الجديد بشكل واضح، اعتبارا لبلوغ نسبة الإنجاز المعلنة حوالي 90 في المئة من مجموع الغلاف المالي المخصص، الشيء الذي يعطي تقييما إيجابيا لتنفيذ هذه البرامج التنموية الطموحة والمبتكرة. نتحدث هنا عن:
- البنى التحتية والقطاعات الإنتاجية (كالفلاحة والثروة الحيوانية والصيد البحري وتثمين الفوسفاط والصناعة التقليدية والسياحة).
- القطاعات الاجتماعية، ولاسيما التعليم والصحة، وما قد يكون لهما من آثار إيجابية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ولمواصلة هذا الإقلاع التنموي وتحقيق الاستثمار الأمثل في العنصر البشري، وجب مواصلة حسن استثمار هذه المكتسبات، طبعا من خلال تحويل نقاط الضعف إلى عوامل جذب وقوة تمكّن من استغلال أمثل وتوظيف أفضل للميزات والمؤهلات الموجودة، والمتمثلة في:
- وجود إرادة سياسية تؤكدها حجم المشاريع والمبالغ المالية المرصودة لها، والهادفة إلى جعل المناطق الجنوبية نموذجاً للجهوية المتقدمة والتنمية المندمجة والمستدامة.موقع جغرافي استراتيجي منفتح على إفريقيا وهمزة وصل مع أوروبا.
- إمكانيات بحرية ومعدنية وطاقية جد مهمة، وجب استثمارها وحسن استغلالها.
- رأسمال بشري ومناخ فريد وتكامل بين جهوي، وهي مميزات نادرا ما تتوفر في جهة واحدة.
- مشاريع مهيكلة كبرى رأت النور نظرا لطابعها الاستراتيجي.