جمال الدين ريان: مغاربة العالم بين النص الدستوري وواقع التفعيل - حان وقت المراجعة أم التفعيل؟

جمال الدين ريان: مغاربة العالم بين النص الدستوري وواقع التفعيل - حان وقت المراجعة أم التفعيل؟ جمال الدين ريان
في المغرب، تحظى قضية مغاربة العالم بمكانة خاصة في الخطاب السياسي والدستوري، وقد تم تكريسها بوضوح في دستور 2011 الذي نصّ في أكثر من فصل على حقوق ومكانة الجالية المغربية المقيمة بالخارج. لكن، وبعد أكثر من عقد من الزمن، يظل سؤال التفعيل مطروحًا بقوة: هل أصبحت هذه الفصول الدستورية مجرّد شعارات تُرفع في المناسبات، أم أنها مشروع مجتمع لم يجد إلى الآن طريقه نحو التطبيق الفعلي؟
 
لا يمكن إنكار أن إدراج فصول خاصة بمغاربة العالم في الدستور شكّل لحظة فارقة في تاريخ المغرب السياسي. فقد نصّت الفصول 16 و17 و18 بشكل واضح على دعم ارتباط الجالية بوطنها الأم، وضمان مشاركتها السياسية، وإدماجها في المؤسسات الوطنية. هذا التوجه الدستوري كان بمثابة رسالة اعتراف وامتنان لمغاربة الخارج، واعتراف بأدوارهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
 
غير أن الحماس الذي رافق صياغة هذه الفصول سرعان ما اصطدم بواقع سياسي وقانوني معقّد، لم يسمح بتحويل النصوص إلى إجراءات ملموسة. فإلى اليوم، ما زال تمثيل مغاربة العالم في البرلمان معلقًا، وحقوقهم في التصويت والترشح من الخارج لم تجد بعد السبل الكفيلة بتفعيلها.

يُرجع البعض هذا التعثر إلى صعوبات تقنية وتشريعية، من قبيل ضرورة تعديل القوانين الانتخابية أو إيجاد آليات عملية لتدبير المشاركة السياسية من الخارج. لكن هناك من يرى أن المسألة أعمق، وأن غياب الإرادة السياسية هو السبب الحقيقي وراء الجمود. فوجود نصوص دستورية غير مفعلة يضع مصداقية الدولة على المحك، ويجعل الحديث عن دولة القانون والمؤسسات مجرد خطاب نظري.
 
من هنا ظهر تيار يدعو إلى حذف هذه الفصول من الدستور في أول تعديل قادم، بدعوى أن استمرار وجودها دون تفعيل يفرغ الوثيقة الدستورية من مضمونها، ويجعلها أقرب إلى "حبر على ورق". في المقابل، يصر آخرون أن الإشكال ليس في النصوص نفسها، بل في غياب الإرادة لتفعيلها، وأن الحل يكمن في الضغط المجتمعي والمؤسساتي من أجل تحويل الوعود الدستورية إلى واقع ملموس.
 
إن الرهان الحقيقي اليوم ليس في حذف الفصول الدستورية المتعلقة بمغاربة العالم، بل في جعل الدستور مرجعية حية تُترجم إلى سياسات وإجراءات. فالحفاظ على هذه الفصول يُعدّ مكسبًا للهوية الوطنية الجامعة، وجسرًا للتواصل بين المغرب وأبنائه في الخارج. أما حذفها، فهو بمثابة اعتراف رسمي بالفشل، وتراجع عن مكتسبات ديمقراطية طال انتظارها.
 
إن مغاربة العالم يستحقون أكثر من مجرد نصوص جميلة؛ يستحقون إرادة سياسية تضعهم في صلب المشروع الوطني، وتجعل من الدستور عقدًا اجتماعيًا حقيقيًا، لا مجرد واجهة شكلية.