شواهد جليلة ميَّزت بحضورها التراث المعماري للحاضرة العلمية والثقافية للأقاليم الجنوبية، وارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالذاكرة الجماعية.
عناصر تراثية معمارية تعكس عمقاً حضارياً متأصلاً ظلّ يشكِّل تيمةً وطابعاً يميزان السمارة عن باقي الحواضر، رغم عوامل الزمن وما تعرّض له التراث المعماري بشكل عام من تهميش وإهمال وتشويه، نتيجة قلّة المعرفة بقيمته التاريخية والثقافية، مما ساهم في طمس واندثار العديد من معالمه، للأسف الشديد.فالقباب والأقواس لم تكن دخيلاً أو هجينا مستورداً كما يظن البعض، بل كانت حاضرة في اللبنات الأولى لنشأة وتأسيس السمارة قبل الاحتلال الإسباني للمنطقة. وإن كانت المرحلة الاستعمارية الإسبانية قد هيمنت على طابعها المعماري بالمباني ذات القباب نصف الكروية، التي تفنَّن في تصميمها الكابتن إنريكي ألونسو لوستانت، لتشمل كل المباني الاستعمارية دون استثناء: كالثكنات، والإقامات، والإدارات، والأسواق، والأحياء السكنية، وأبراج المراقبة، والآبار...كما صمّم مبانيَ سكنية ذات قباب بيضاوية على شكل نصف البرميل، تعكس طابعاً معمارياً يُقال إنه نشأ في أمريكا في أربعينيات القرن الماضي، ويُعرف باسم catenaricos أو نظام المدائن، المستوحى من قصر السالوقية من حضارات بلاد الرافدين بالعراق.شكَّلت القباب عبر تاريخ البشرية دلالةً ورمزيةً للقداسة والروحانية. فقد كانت شعوب الحضارات القديمة تستعملها في البناء المأتمي كتجسيد ومحاكاة للسماء والفضاء اللامتناهي وعالم ما بعد الموت، كما كان حضورها بارزاً في المباني التعبدية والدينية كالمعابد والكنائس والمساجد والمزارات والأضرحة في مختلف الثقافات والحضارات.
كما استُعملت أيضاً للذوق والتأثير البصري والجاذبية الجمالية الفريدة، فضلاً عن مزاياها المعمارية العملية ووظائفها الفريدة، من خلال شكل سطحها المنحني الذي يساهم في خفض درجة الحرارة ومنع تجمع مياه الأمطار فوق الأسطح، وملاءمتها لمختلف الظروف المناخية وتكاليف إنجازها البسيطة.لم تكن هذه الخصائص غائبة عن الاحتلال العسكري الإسباني، بحكم وجودها في العمارة الأندلسية في الجنوب الإسباني. ولعلّه أحد الأسباب التي جعلتهم يحترمون ويحافظون على الطابع المعماري القديم الذي يرمز إلى قداسة وروحانية مدينة السمارة العتيقة.
كما ساد اعتقاد لدى بعض الضباط الإسبان أن المنازل ذات القباب قد تساهم في تسهيل توطين السكان الأصليين، لما لها من شبه بخيام البدو، ليتم نقل هذه التجربة إلى مراكز وحواضر أخرى. فأصبحت اليوم جزءاً من التراث المشترك المغربي الإسباني، الذي يتطلب منا جهداً لردّ الاعتبار إليه وحمايته وتثمينه ودمجه في مخططات التنمية.لم يتوقف هذا النمط المعماري، ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي برزت الأقواس والعقود بمختلف الأنواع والأشكال: كالأقواس المستقيمة بسوق المدينة (المارشي)، والدائرية (مدخل المدينة)، والمبتورة (مدخل المستشفى الإقليمي ومدخل المطار)، والخماسية (ساحة المسجد العتيق)، والأقواس الصامتة (مقرات الجماعات الترابية، المحطة الطرقية، شارع الحسن الثاني).كما تظهر القباب في العمران الحديث بشكل محتشم في بعض الإدارات، كقبة قصر البلدية ذات العنق المحاط بحزام من النوافذ، وقبة الكتابة العامة للعمالة، وساحة المسجد العتيق، وساحة 20 غشت (حي السكنى والتعمير)، والقباب القصيرة المبتورة بمقرات الجماعات الترابية.
وتبدو أيضاً في بعض الأحياء مثل حي ليراك في قباب صغيرة مضلعة، كأنها تقليد لقبة زاوية الشيخ ماء العينين.