عمر المصادي: سياسة خارجية تغذي الإنفصال .. التناقض الجزائري بين دعم البوليساريو وتنامي مطالب الماك

عمر المصادي: سياسة خارجية تغذي الإنفصال .. التناقض الجزائري بين دعم البوليساريو وتنامي مطالب الماك عمر المصادي
على امتداد أكثر من 50 سنة، ظل دعم النظام الجزائري لجبهة البوليساريو أحد الثوابت الأساسية في سياسته الخارجية. وقد قدمت الجزائر هذا الدعم باسم “تصفية الإستعمار” و“حق تقرير المصير”، معتبرة القضية مبدأً استراتيجيا لا يقبل المساومة، غير أن التحولات الداخلية وتغير المزاج العام في البلاد جعلا هذا الموقف محل تدقيق متزايد، خصوصا مع تصاعد مطالب حركة الماك في منطقة القبائل، وهي الحركة التي ترفع بدورها شعار تقرير المصير داخل حدود الدولة.
هذا التناقض بين الخطاب الخارجي والممارسة الداخلية خلق حالة من الإلتباس السياسي، فبينما تدافع الجزائر خارج حدودها عن حق الشعوب في الإنفصال أو تقرير المصير، تتعامل داخليا بصرامة أمنية مع المطالب نفسها.
ويرى مراقبون أن هذا التضارب يمنح الماك عناصر قوة إضافية، لأنها توظف المقارنة بين موقف الدولة في ملف البوليساريو وموقفها تجاه مطالب القبائل.
وفي السياق ذاته، يؤكد محللون أنّ الدبلوماسية الجزائرية، دون إعلان صريح، تساهم بطريقة غير مباشرة في تغذية النزعات الإنفصالية. فعندما تبنى السياسة الخارجية على دعم حركات تعتبر نفسها “تحررية”، فإن ذلك بحسب خبراء يفتح الباب أمام قراءات داخلية تستنتج أن المنطق نفسه قابل للتطبيق داخليا.
وهكذا، تتحول ازدواجية الخطاب إلى عامل يخصب الأرضية الخطابية والسياسية للحركات الإنفصالية بدل أن يحد منها، ويمنحها مادة إضافية للإحتجاج على سياسات الدولة.
من جهة أخرى، يثير استمرار الجزائر في تخصيص موارد كبيرة لملف البوليساريو، دبلوماسيا وأمنيا وإعلاميا، تساؤلات حول ترتيب الأولويات الوطنية.
ففي بلد يعاني من تحديات اقتصادية واجتماعية مستمرة، يزداد الشعور بأن السلطة تولي قضايا خارج الحدود أهمية تفوق مشاكل الداخل، هذا الإحساس بالتهميش يبرز خصوصا في منطقة القبائل، ويغذي سرديات الماك حول غياب توزيع عادل للجهود والإهتمام.
كما أن المقاربة الأمنية في التعامل مع الحركات السياسية داخل القبائل تزيد من تعقيد المشهد، إذ تعتبر المطالب المحلية تهديدا للوحدة الوطنية، بينما تقدّم مطالب البوليساريو كقضية عادلة من منظور دولي. هذا التباين، وفقا للمتابعين، لا يعكس فقط ازدواجية سياسية، بل يساهم أيضا في توسيع الفجوة بين الدولة ومكوّنات المجتمع المحلي.
ويذهب عدد من الباحثين إلى أنّ الخروج من هذه المعادلة يتطلب مراجعة هادئة للعقيدة السياسية للدبلوماسية الجزائرية، وتوازنا أكبر بين الإلتزامات الخارجية والإحتجاجات الداخلية. فالإستقرار الداخلي، كما يشير خبراء، هو الأساس لأي دور إقليمي فعال. كما أن الإعتراف بالتنوع السياسي والثقافي داخل البلاد يمكن أن يحد من الخطابات الإنفصالية، ويخلق قاعدة للحوار بدل الصراع.
في المحصلة، يبدو أن الرهان على ملفات خارجية، وعلى رأسها قضية البوليساريو، قد يتحول إلى سلاح ذي حدين، لأن تجاهل الملفات الداخلية أو التعامل معها بمنطق أمني صرف قد يعزز الحركات الإحتجاجية والإنفصالية بدل احتوائها.
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ..}