رشيد الشريعي: التوتر السياسي نتاج أعطاب بنيوية وغياب الديمقراطية الداخلية

رشيد الشريعي: التوتر السياسي نتاج أعطاب بنيوية وغياب الديمقراطية الداخلية محمد رشيد الشريعي، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب
في هذا الحوار، يقدم محمد رشيد الشريعي، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، قراءة نقدية لواقع المشهد السياسي الوطني، حيث يقف عند جذور التوتر اللفظي بين الفاعلين السياسيين، وحدود أدوار المعارضة، وكيف يساهم الأداء الحكومي في تأجيج الاحتقان.
 كما يقترح الشريعي جملة من الإصلاحات الضرورية لإعادة بناء الثقة وتعزيز شفافية الممارسة السياسية، مؤكداً أن الأزمة الحالية بنيوية تتعلق بضعف الديمقراطية الداخلية، وتراجع الأدوار الدستورية، وتنامي الزبونية والفساد.


كيف تقرأون أسباب تفاقم التوتر اللفظي وتبادل الاتهامات بين الفاعلين السياسيين في الفترة الأخيرة؟
- تساهم الانقسامات السياسية العميقة بين الأغلبية والمعارضة في تصعيد التوتر اللفظي. عندما تزداد حدة الخلافات حول القضايا الأساسية، يصبح الخطاب السياسي أكثر حدة، سيما حين يرتبط الأمر بالأوضاع الاجتماعية ومحاربة كل أشكال الفساد، التي زادت في الاحتقان والغضب الشعبي، إضافة إلى سنّ قوانين تضرب في عمق المكتسبات التي تحققت عبر نضالات مريرة وبتضحيات جسام، والمتمثلة أساساً في تكميم ومحاربة كل الأصوات المعبّرة عن مواقفها اتجاه العديد من القضايا المرتبطة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتضارب المصالح، وتفشي كل أشكال الريع ومحاربة الفساد والإثراء غير المشروع.
 
في تقديرك، هل تقوم المعارضة بدورها الرقابي بشكل كافٍ أم أن السياق الحالي يفرض خطاباً أكثر حدة؟
- يبدو أن المشهد السياسي والحزبي المغربي يعيش أزمة حقيقية، سواء داخل التحالف الحكومي أو خارجه، على اعتبار أن الوضع السياسي بالمغرب يعيش حالة مخاض من حيث الديمقراطية الداخلية. إذ بالرجوع إلى الأوضاع التي تعيشها التنظيمات السياسية، نجد نقاشاً حاداً على مستوى انعدام الديمقراطية الداخلية، بحيث أن رموز هذه الأحزاب تعرف انتكاسة حقيقية، وغالباً ما تواجه صعوبات في تطبيق مبادئ الديمقراطية داخل هياكلها الداخلية، مما قد يؤدي إلى تركز السلطة في يد قلة من القيادات، وبالتالي لا يمكنها أن تلعب دورها الريادي داخل جميع المؤسسات المنتخبة، بدءاً بالدور الرقابي.

كما أن دور المعارضة في الحياة السياسية المغربية يرتكز بشكل أساسي على الرقابة والمحاسبة والمسائلة للحكومة وتقديم البدائل البنّاءة، وذلك ضمن إطار دستوري يمنحها حقوقاً لضمان مشاركتها الفعالة في الحياة السياسية والتشريعية. ورغم أن الدستور يحدد هذه الأدوار ويمنح المعارضة حقوقاً دستورية لتمكينها من القيام بمهامها، إلا أن ممارسة هذه الأدوار تواجه تحديات تعيق أداءها بشكل فعال، بسبب ضعف التنسيق وتشتت مواقف بعض الأحزاب المعارضة في تفعيل الرقابة والمحاسبة والمشاركة في التشريع وتقديم البدائل.

لكن التحديات التي تواجهها المعارضة – من تشتت وعدم تنسيق وهشاشة سياسية ثم الافتقار إلى آليات فعالة – كلها تؤثر على أدائها. كما أن الضغوط الانتخابية والتنافس السياسي من العوامل التي تدفع السياسيين إلى تبني خطاب أكثر حدة لجذب الانتباه وتأكيد مواقفهم.
 
هل تعتبرون أن أداء الحكومة يساهم في تأجيج هذا الاحتقان، وكيف؟
-تضخيم التوترات اللفظية يتم من خلال العديد من التصريحات حول القضايا التي لها ارتباط مباشر بالمواطنين، حيث يمكن لهذه التصريحات أن تزيد من حدة التوتر ومن حدة الخطاب السياسي، وقد يزيد ذلك من الاحتقان السياسي. كما أن تعدد أسباب الاحتقان في المغرب يشمل قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية، من أبرزها تفشي البطالة المرتفعة، خاصة بين الشباب، حيث تعدّ مشكلة كبيرة خصوصاً وسط خريجي الجامعات، مما يؤدي إلى الإحباط وتفاقم الاحتقان الاجتماعي.

كما أن غلاء المعيشة ينعكس بشكل مباشر على القدرة الشرائية لدى العديد من الأسر، إضافة إلى تدهور الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، والفوارق الاجتماعية والمجالية، وضعف آليات المساءلة والمحاسبة من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة. ومن بين أسباب الاحتقان أيضاً انتشار الفساد وغياب تام للمساءلة عبر سنّ قوانين تساهم في تفشي ظاهرة الإثراء غير المشروع والحد من تقديم شكايات من قبل الجمعيات المهتمة في هذا المجال.
 
ما المقترحات التي ترون أنها ضرورية لإعادة ضبط الخطاب السياسي وتعزيز الثقة بين الفاعلين والمؤسسات؟
-أعتقد أنه يجب إطلاق ورش لإصلاح الحياة السياسية بالمغرب، بهدف الوصول إلى نموذج سياسي جديد يعيد بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، من خلال إعادة الثقة المسلوبة بين المواطن والمؤسسات، والتركيز على الأعطاب السياسية وضعف الطبقة السياسية، وكذلك غياب الديمقراطية الداخلية وتنامي الزبونية وغياب تجديد النخب وتخليق الحياة العامة.

كما يجب تجاوز الخطاب السياسي التقليدي المرتبط بالوعود المتكررة والوجوه المكررة، والتركيز على مصارحة المواطنين بالحقيقة وتقديم إجابات صريحة بعيداً عن لغة الخشب ودغدغة مشاعر المواطنين بالخطاب الشعبوي. أيضاً يجب تفعيل مبدأ المحاسبة والمتابعة للتأكد من امتثال الحزب أحسن تمثيل.