أفاد د. سعيد بوحاج، باحث ممارس في المالية العمومية، أن لجوء إدارة الضرائب إلى إجراء الحجز البنكي ليس خطوة مفاجئة كما يعتقد كثير من المواطنين، بل هو مسطرة قانونية منظمة في إطار مدونة تحصيل الديون العمومية.
وأوضح بوحاج في حوار مع "أنفاس بريس"، أن ما يُعرف بـ "الإشعار لدى الغير" يُعد من أقوى آليات التحصيل الجبري التي تعتمدها الإدارة عند عدم أداء الضرائب داخل الآجال القانونية. وهو إجراء لا يُفعَّل إلا بعد استيفاء شروط إلزامية، أبرزها نهائية الدين العمومي، وتوجيه إنذار قانوني للملزم، واحترام الآجال المحددة قبل الانتقال إلى مسطرة الحجز.
كما يقدم بوحاج توضيحات حول كيفية تعامل الأبناك مع تنفيذ الحجز البنكي، والنصوص القانونية في هذه الحالة، إلى جانب مجموعة من النصائح العملية للمواطنين لتفادي الآثار السلبية لهذا الإجراء.
لاحظ عدد من المواطنين اقتطاع مبالغ من حساباتهم البنكية بشكل مفاجئ ودون أن يفهموا السبب. ما طبيعة هذا الإجراء؟ وما الأساس القانوني الذي يسمح للإدارة بالحجز على الحساب البنكي؟
الإجراء الذي تسبب في هذا الإحساس بالمفاجأة هو آلية قانونية تُسمّى “الإشعار لدى الغير”، وهي واحدة من أقوى أدوات التحصيل الجبري التي منحتها مدونة تحصيل الديون العمومية للإدارة، وخاصة في المواد 100 إلى 104. وتقوم هذه الآلية على أن قباض إدارة الضرائب أو الخزينة يمكنها، عند عدم أداء الملزم لضريبة أو رسم بعد تاريخ الاستحقاق، أن تتوجه مباشرة إلى الجهة التي تحتفظ بأمواله—وعلى رأسها الأبناك—لطلب اقتطاع المبلغ المستحق وتحويله لفائدة الخزينة.
لكن اللجوء إلى هذا الإجراء من طرف القابض ليس اعتباطيًا، بل يتطلب توفر ثلاثة شروط أساسية. أولًا، أن يكون الدين العمومي نهائيًا ومستحقًا وغير خاضع لأي طعن يُجمّد التنفيذ. ثانيًا، أن يكون الدين من طبيعة عمومية، أي ضرائب ورسوم وديون مشمولة بامتياز الخزينة، وليس ديونًا مدنية أو تجارية. ثالثًا، وهو الأهم، أن يتم تبليغ إنذار نهائي للملزم، كما تنص عليه المادة 36 من المدونة، وهو إشعار قانوني يترتب عنه صوائر إضافية بنسبة 2% من أصل الدين، قبل الانتقال لمساطر التحصيل الجبري.
بعد هذا الإنذار، وفي حالة الاستمرار في عدم الأداء، يمكن للمحاسب العمومي تفعيل الإشعار لدى الغير، الذي يضيف 1% أخرى من الصوائر. هنا يُصبح البنك ملزمًا بحجز المبلغ وإخبار زبونه. غير أن مفاجأة المواطنين تعود غالبًا إلى عدم اطلاعهم على الإنذار النهائي لأسباب مختلفة: تغيير السكن، عدم استلام المراسلات، أو الاعتقاد بأن الملف مغلق او عدم معرفتهم بوجود هذا الاجراء أو عدم علمهم بوجود ضرائب في ذمتهم. وبعد استنفاد شروط التبليغ، لا تُلزم مدونة التحصيل الديون العمومية الإدارة بإعادة الإشعار عند الحجز، فيظهر الأمر كأنه مفاجئ رغم أنه قانونيًا سبقته مراحل.
وفق اتفاقية بين وزارة المالية والمجموعة المهنية لبنوك المغرب GPBM، يجب على البنك إخبار زبونه داخل أجل لا يتجاوز 8 أيام من تاريخ التوصل بالإشعار، وذلك لتفسير سبب الحجز وتمكين المواطن من مراجعة وضعيته. لكن في الواقع، عدد من الأبناك لا تحترم هذا الأجل أو تعتمد رسائل عامة يصعب على المواطن فهمها. كما أن بعض الأبناك تقتطع صوائر إضافية تتراوح بين 300 و600 درهم كمصاريف معالجة ملف الإشعار، مما يزيد من حجم المفاجأة ومن العبء المالي على المواطنين.
هل يحق للبنك رفض تنفيذ الحجز بدعوى السرية البنكية أو حماية زبونه؟
لا، البنك لا يملك حق الرفض ما دام الإشعار مستوفيًا للشروط القانونية. فعند توصله بالإشعار، يصبح في وضع يسمى قانونيًا “غير حائز لأموال عمومية”، أي مسؤول عن أموال تخص الخزينة وليس فقط زبونه. ولهذا السبب يتحمل البنك مسؤولية تضامنية في الأداء، ويجب عليه تطبيق الإجراء فورًا.
الإجراءات البنكية تتم اليوم عبر نظام إلكتروني مركزي يفرض على البنك الرد خلال 48 ساعة بإعلام الإدارة بوجود أو غياب الرصيد، ثم تجميد المبلغ المستحق وتحويله إلى الخزينة. وإذا امتنع البنك أو تأخر بشكل غير مبرر، يمكن لإدارة الضرائب أو الخزينة أن تلجأ إلى بنك المغرب لحجز المبلغ مباشرة من حسابات البنك المفتوحة لديه، وهو ما يشكل ضغطًا قانونيًا قويًا يضمن عدم التهاون في تنفيذ المسطرة.
أما بالنسبة للسرية البنكية المنصوص عليها في القانون البنكي (103.12)، وخاصة المادة 180، فهي تتضمن استثناءً واضحًا يسمح للبنك بالتعاون مع الادارات الجبائية والقضائية. وبالتالي، فإن تنفيذ الإشعارات المتعلقة بالديون العمومية لا يُعتبر انتهاكًا للسرية البنكية، بل احترامًا لالتزام قانوني يتقدم في السلم الاداري على العلاقة التعاقدية بين البنك والزبون.
ماهي أبرز المشاكل التي يطرحها هذا الإجراء بالنسبة للمواطنين؟
هناك ثلاثة مستويات من الإشكالات تظهر بوضوح في الممارسة اليومية. المستوى الأول يتعلق بالأثر المالي المباشر؛ فالحجز المفاجئ عبر آلية الإشعار لدى الأغيار يمكن أن يؤدي إلى ارتداد شيكات، وتعثر أداء أقساط القروض، وصعوبات في تلبية مصاريف الأسرة، وقد يسبب للمقاولات الصغيرة ارتباكًا خطيرًا في الأداءات اليومية كالأجور وفواتير الموردين.
المستوى الثاني هو ضعف الوعي القانوني. أغلب المواطنين لا يعرفون مقتضيات المواد 36 و101 إلى 104 من مدونة التحصيل الديون العمومي (فعلى سبيل المثال يمكن لعدم أداء رسم السكن ان يؤدي الى حجز الاموال من البنوك ان توفرت الشروط مهما كان المبلغ المستحق)، ولا يعرفون نسب الصوائر التي تُضاف في كل مرحلة، ولا ينتبهون للأجل القانوني البالغ 10 أيام بين الإنذار والتحصيل الجبري. كما لا يعرفون أن البنك مطالب بإشعارهم في أجل 8 أيام، وأن لهم الحق في طلب جدولة الدين أو تقديم تظلّم قبل بلوغ مرحلة الحجز البنكي.
المستوى الثالث يتعلق بالمنازعات القضائية. فالمواطنون يلجؤون للقضاء الإداري للطعن في الإشعار إذا لم تُحترم المسطرة، كأن يكون التبليغ غير صحيح أو الدين غير نهائي. كما تسجل المحاكم التجارية دعاوى ضد الأبناك عند وقوع أخطاء مهنية مثل الحجز على حساب شخص آخر، أو التأخر غير المبرر في الإشعار، وهي حالات محدودة لكنها واقعية وتصدرت أحكامًا قضائية.
ولتقليص هذه الإشكالات، أُبرمت اتفاقية 2008 التي أدخلت نظامًا إلكترونيًا موحدًا، تلتها مبادرة ميثاق الإشعار لدى الغير سنة 2014 التي ألزمت الأبناك بتجميد المبلغ لمدة 72 ساعة قبل تحويله، ومنعت توجيه إشعارات متزامنة لعدة بنوك تخص الشخص نفسه، وشددت على ضرورة التبليغ المتوازي للملزم.
ماهي النصائح التي توجهونها للمواطنين لتجنب آثار هذا الإجراء؟
أوصي المواطنين بمتابعة وضعيتهم الجبائية بانتظام لدى قباض الضرائب أو الخزينة، وتحـيين عنوانهم لدى الإدارة لأن معظم المشاكل تبدأ من التبليغ. كما أن التعامل الجدي مع الإنذار النهائي يوفر الكثير من الصوائر، ويجنب الوصول إلى مرحلة الإشعار لدى الغير. وفي حالة وجود خطأ أو غموض، يبقى الحق في تقديم تظلّم أو اللجوء إلى القضاء الإداري قائمًا، وفي حالات خاصة يمكن التوجه للمحكمة التجارية إذا كان الخلل من البنك. المعرفة القانونية هي أول وسيلة لحماية الحقوق وتفادي كل الإشكالات المرتبطة بهذا الإجراء.