الباحثة مريم مكرم ترى مريم مكرم الباحثة في تحليل الخطاب بأن مقارنة الخطابين التقليدي والرقمي ، يكشف أن الانتقال الحالي لا ينعكس في تحول وسائلي فحسب، بل في إعادة تركيب مستمرّ لتمثّلات الهوية والثقافة الوطنية، وأن الخطاب التقليدي يحتفظ بدوره في توفير الشرعية المرجعية والاستمرارية الثقافية، بينما يمنح الخطاب الرقمي المؤسسات أدوات للتفاعل والتجديد.
ولضمان استفادة متوازنة من كلا البعدين أوضحت مكريم التي كانت تتحدث أمام المشاركين في المؤتمر الدولي الأول حول " التكنولوجيا الرقمية : صون الهوية والثقافة الوطنية" الذي نظمته كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بقلعة السراغنة بتنسيق وشراكة مع مؤسسة كش بريس الإعلامية بالمغرب ومركز عناية الثقافي والفكري، ما بين 21 و23 نونبر 2025 بأنه ينبغي تبنّي استراتيجية هجينة تراعي الحوكمة التحريرية، والتحقق المسبق من المعطيات، وتأهيل الفضاءات الرقمية لتكون منصات مشاركة مسؤولة تدعم صون الهوية الثقافية.
وذكرت بأن أنماط التواصل التاريخية شهدت تحولات متدرجة، بدءًا من الخطاب الشفوي والكتابي، مرورًا بالوسائط المطبوعة والسمعية-البصرية، وصولًا إلى الخطاب الرقمي، الذي غيّر بشكل جذري آليات إنتاج المعنى والتواصل الاجتماعي مضيفة بأن هذا التحول لم يكن تقنيًا فحسب، بل شكّل أيضًا تحوّلًا معرفيًا وثقافيًا أعاد طرح أسئلة مركزية حول الهوية والتمثّل على مستويات لغوية ورمزية وتداولية.
وبعدما تساءلت كيف أثر الانتقال من الخطاب التقليدي إلى الخطاب الرقمي في إعادة تشكيل تمثّلات الهوية الوطنية وممارسات الثقافة؟ سلطت المتدخلة الضوء على التحولات اللغوية والرمزية والتداولية المصاحبة لهذا الانتقال، مع إبراز الفرص والمخاطر المصاحبة لصون الهوية الثقافية في عصرالرقمنة، كما تناولت، انطلاقًا من الأسس النظرية، تحولات الخطاب من التقليدي إلى الرقمي.
وفي ه\ا السياق اختارت مريم مكرم خطاب وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي نموذجًا تطبيقيًا ذلك لأنه يشكّل حالة تحليلية مميّزة تتيح تتبّع كيفية انتقال جهاز وزاري مركزي من أنماط التعبير الورقية ذات الطابع الهرمي إلى أنماط رقمية تفاعلية تعيد توزيع سلطة القول وتمنح المتلقي موقعًا أكثر فعالية في إنتاج الدلالة ملاحظة، بأن الخطاب التقليدي للوزارة بلغة رسمية محكومة بمنطق مؤسسي صارم، يركّز على الإخبار وتقديم المعطيات داخل بنية لغوية محايدة. ويظهر ذلك في العبارات الموظفة من قبيل “تعلن وزارة التربية الوطنية…”، “تخبر الوزارة عموم المواطنين بأن…” ''تُلزم الوزارة..''.
وعبرت عن اعتقادها بأن هذه الصيغ الخطابية لا تعبّر فقط عن بناء لغوي راسخ، بل تجسّد أيضًا رؤية مؤسسية تستند إلى تنظيم واضح للمعنى، حيث تُمارس المؤسسة دورها الطبيعي باعتبارها هذا النمط الخطابي على علاقة تواصلية يتحدّد فيها موقع كل طرف بوضوح: مؤسسة تُصدر التوجيهات في إطار رسائل رسمية محكمة، وجمهور يتلقّاها بوصفها مرجعًا يُسهم في تعزيز الانسجام الاجتماعي وترسيخ المبادئ المشتركة معتبرة من جهة ثانية؛ أن الخطاب الصادر عن الوزارة عبر منصّاتها الرقمية، يظهر نمطًا تواصليًا جديدًا، يقوم على توسيع دائرة التفاعل بين المؤسسة والجمهور. واعتبرت أن الصيغ الخطابية من قبيل: " شاركونا آراءكم "، «نُقدّر تعليقاتكم»، «ما رأيكم في تجربة التعليم الأولي؟» تعكس توجّهًا نحو إدماج المتلقي في العملية التواصلية، بوصفه طرفًا فاعلًا يُسهم في إغناء النقاش حول قضايا الشأن التربوي. وهذا التحوّل لا يلغي دور المؤسسة، بل يعيد تنظيم العلاقة بين الطرفين في إطار يتيح تعدد وجهات النظر وتنوّع أساليب التعبير.
وأضافت بأنّ اعتماد الوسائط البصرية والرموز التعبيرية والفيديوهات القصيرة لا يُعدّ مجرد اختيار تقني، بل يمثل تجسيدًا لأسلوب تواصلي ينسجم مع خصائص البيئة الرقمية الحديثة، حيث تكتسب الصورة والإيجاز والتفاعلية مكانة مركزية. ويسهم هذا النمط في فتح المجال أمام أشكال جديدة من التعبير الثقافي، تجمع بين الرسمي والرقمي، وبين التوجيه المؤسسي والتفاعل المجتمعي.
على هذا الأساس أفادت الاستاذة الباحثة مريم مكرم بأن المقارنة بين النماذج الخطابية التقليدية والرقمية، تكسف عن أنّ الهوية التربوية لم تعد تُقدّم بوصفها كيانًا ثابتًا يرتكز على رموز مغلقة، بل أصبحت ممارسة مستمرة تُعاد صياغتها داخل الفضاء الرقمي، وأضافت أنه بينما يتمسّك الخطاب التقليدي بصورة “المؤسسة الحافظة للهوية”، ينقل الخطاب الرقمي تلك الهوية إلى فضاء آخر يؤمن بتعدّد التجارب، ويُعيد بناء الثقافة الوطنية عبر أساليب جديدة: الأنفوغرافيك الصور البصرية: الفيديوهات الصور، الهاشتاغات، التعليقات،.
وقالت بذلك ينتقل الخطاب إلى ثقافة الانتماء التفاعلي، حيث تتقاطع العاطفة مع المعرفة، ويتحوّل المواطن الرقمي إلى فاعل أساسي في تشكيل صورة المدرسة المغربية وفي إعادة إنتاج معاني الهوية الوطنية، مبرزة بأنه إذا كان التحليل لنموذجي الخطاب التقليدي والرقمي قد أبرز اختلافًا في البنية اللغوية، وفي دينامية التفاعل، وفي تمثّلات الهوية والثقافة، فإنّ هذا التباين لا ينبغي أن يُفهم بوصفه قطيعة أو صراعًا بين الخطابين، بل باعتباره نوعًا من التكامل الوظيفي الذي تحتاجه المؤسسات الحديثة كي تُبقي على توازنها بين الشرعية الرسمية ومتطلبات التواصل المجتمعي الجديد.
وأوضحت بأن الخطاب التقليدي لم يختف ولم يُتجاوز، بل مازال حاضرًا وفعالًا وبقوة في العديد من المجالات الحيوية للمجتمع، خاصة في المؤسسات الرسمية مثل الهيئات الدستورية الوزارات وغيرها من المؤسسات، وفي الأدب، الإعلام الرسمي، المناهج التعليمية، والفنون التراثية. ويظلّ الضامن للمرجعية القانونية، وللصياغة الدقيقة، وللثبات المؤسساتي، لكونه يمثل الوسيلة الرئيسية لترسيخ الهوية الوطنية والقيم الثقافية، فهو يضمن الاستمرارية والتماسك الاجتماعي من خلال لغة رسمية، ورموز ثابتة، وهيكل مركب يُرسخ السلطة والمعايير المؤسسية، في حين يسمح الخطاب الرقمي ببلوغ دائرة أوسع من الجمهور، كما يمنح المؤسسة قدرةً أكبر على التفاعل والإقناع وبناء الثقة.
غير أن هذا التكامل ترى المتدخلة، يظلّ مشروطًا بوعي المؤسسات بالمخاطر الملازمة للفضاء الرقمي، وهو وعي ضروري لضمان استدامة الهوية الثقافية وحماية الخطاب من التشويش. منها، تضخّم التعليقات والمداخلات السلبية لأنها قد تشكل ضغطًا على المؤسسة وتحريف النقاش عن أهدافه التربوية والثقافية، وخطر التبسيط والسطحية في الخطاب الرقمي على حساب العمق المعرفي، فضلا عن تراجع المرجعيات اللغوية والثقافية الأصيلة لصالح لغة هجينة وسريعة، مع وجود صعوبة ضبط المعنى في فضاء مفتوح تتداخل فيه الأصوات والمرجعيات.