عبد العزيز رحموني، سعيد شبار (يسارا)، وفي الصورة عميد الكلية يقدم هدية تذكارية وشهادة تقديرية للأستاذ سعيد شبار نظمت كلية أصول الدين بتطوان، محاضرة افتتاحية للسنة الجامعية 2025-2026 في موضوع "السيرة النبوية والقيم الإنسانية والكونية"، ألقاها الدكتور سعيد شبار الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى.
وقد التأمت هذه المحاضرة بقاعة المؤتمرات والندوات بالكلية، يوم الخميس 20 نونبر 2025، بحضور المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وهي تأتي في سياق ينسجم مع فحوى الرسالة السامية التي وجهها الملك محمد السادس إلى المجلس العلمي الأعلى بشأن إحياء ذكرى خمسة عشر قرنا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد أدار اللقاء الدكتور عبد العزيز رحموني عميد الكلية، وفي كلمته الافتتاحية، أكد أن الدكتور سعيد شبار يعد نموذجا متميزا في العطاء العلمي المتواصل، لما قدمه من إسهامات كبيرة في إثراء الحقل المعرفي الذي ينتمي إليه. كما شدد على أهمية موضوع المحاضرة، بكونه يقدم رؤية تبرز النموذج الإنساني الراقي الذي أسهم في بناء الحضارة القائمة على الرحمة والعدل واحترام الإنسان. وأوضح أن السيرة النبوية تمثل مصدرا معرفيا أساسيا في دراسة التاريخ الإسلامي وعلوم الشريعة، لما تتضمنه من شواهد عملية تجسد القيم والمفاهيم القرآنية. ذلك أنها تمثل الإطار التطبيقي لفهم النصوص الشرعية، كما أنها مادة تحليلية مهمة تسهم في فهم التحولات الاجتماعية والسياسية والدينية في صدر الإسلام. وأضاف أن السيرة تتيح مجالا لفهم آليات القيادة النبوية في إدارة التنوع وترسيخ القيم الإنسانية الكونية، مثل العدل والتسامح والتعايش والتعارف والحوار وصون الكرامة الإنسانية. ومن خلال تحليل أحداثها وسياقاتها، أكد على أهميتها في حل الأزمات وبناء المجتمعات، مما يجعل دراستها ضرورة علمية لفهم تطور الفكر الإسلامي وبناء الوعي الإنساني في تمثل التطبيق العملي للوحي الإلهي والنموذج الأسمى للإنسان الكامل في أخلاقه وتعاملاته وقيمه.
وأشار الدكتور رحموني إلى أن السيرة النبوية تتيح التعرف على شخصية النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف أبعادها: قائدا، ومربيا، ومصلحا، وحاملا لرسالة الرحمة. كما أنها تمثل مرجعا تربويا وأخلاقيا يمد الفرد والمجتمع بالقيم التي تبنى عليها الأمم، مؤكدا قدرتها على تقديم الحلول الواقعية للتحديات المعاصرة.
وفي مداخلته، أكد الأستاذ سعيد شبار أن موضوع المحاضرة جاء في إطار التفاعل مع الرسالة السامية التي وجهها الملك محمد السادس إلى المجلس العلمي الأعلى بشأن إحياء ذكرى خمسة عشر قرنا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم. وأوضح أن لهذه الرسالة دلالات رمزية عميقة، تهدف إلى بناء وعي جديد، واكتساب معرفة متجددة، وفهم أعمق للسيرة النبوية. وأشار أيضا إلى أن السيرة النبوية تمثل حياة النبي صلى الله عليه وسلم بكل تفاصيلها، وأن لكل إنسان حياة تقتضي منه الاقتداء بنموذج الهداية والرشاد والحق والإحسان، والأخذ بكل القيم التي خُوطب بها الأنبياء والرسل، وخُوطب بها في كمالها وتمامها النبي صلى الله عليه وسلم. وشدد على أن الاستفادة من هذا النموذج النبوي لا تتحقق إلا من خلال التعرف الدقيق على سيرته. وبيّن أن دراسة السيرة تختلف عن دراسة الحديث، رغم ما للحديث من فوائد عظيمة. فالسيرة - كما قال- فضاء أوسع يمنح معاني إضافية ودلالات أعمق، لأنها تشمل القول والفعل والتصرف وكل ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم في مختلف مواقف حياته.
وأوضح أن معرفة أسس الخطاب النبوي يقتضي فهم المفردات القرآنية، منها: الحفظ والختم والإكمال والتمام، مشيرا أن مفردة الحفظ كونها الخطابي وحده محفوظ دون غيره من أضرب الخطابات الدينية والرسالات السماوية التي تقدمت. وأن مفردة الختم التي تُفهم أحيانا في النسق المغلق، لكن الصواب – في نظره- هو أن الختم في النسق الفتح، بمعنى الختم المفتوح على الزمان كله والمكان كله والإنسان كله. وأن مفردتي الإكمال والتمام تدلان على أن كلمات القرآن ومفرداته تامة كاملة، تجعل كل إنسان في أي زمان ومكان قادرا على استمداد الهداية والرشاد والحق والصواب منها، إلى قيام الساعة. ولذلك فإن الخطاب القرآني – في نظره- موجّه إلى الناس كافة، وهو ما يكسبه قوة في بناء المعارف وضبط السلوك وترسيخ الأخلاق. وأضاف أن القرآن الكريم دخل في حوار مباشر مع اليهود في عقائدهم، ومع النصارى في عقائدهم...إلخ. وبذلك فهو يفتح باب الحوار الإيجابي مع كل المعتقدات والاتجاهات.
وأوضح أن هذا البعد الكوني في الخطاب القرآني يتجلى بوضوح من خلال منهج التدرج؛ إذ بدأ الخطاب موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إلى أسرته وعشيرته، ثم إلى الناس أجمعين. وشدد على أن الوعي بهذا المنهج ضرورة ملحة لإبراز البعد الإنساني والكوني للقيم الإسلامية.
وفي سياق مداخلته، أكد أنه يعتزم، وبالتنسيق مع المؤسسات العلمية والتربوية والتعليمية والاجتماعية والثقافية وغيرها، جعل ذكرى خمسة عشر قرنا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم مناسبة لإحياء السيرة النبوية واستحضار ما تحمله من معارف وقيم إنسانية كونية.
ومما يلفت الانتباه أن المحاضرة الافتتاحية فتحت نقاشا جادا ورصينا، كما فتحت آفاقا للتفكير والسؤال حول القضايا التي طرح المحاضر سعيد شبار.
واختتمت هذه المحاضرة بتقديم هدية تذكارية وشهادة تقديرية من لدن عميد الكلية للدكتور سعيد شبار، تكريما لجهوده وإسهامه في إنجاح هذا اللقاء العلمي. وللتذكير، فالأستاذ سعيد شبار من مواليد سنة 1963 بإقليم بني ملال، نال دكتوراه الدولة في موضوع "الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر: دراسة في الأسس المرجعية والمنهجية" من جامعة محمد الخامس، سنة 2000، وهو أستاذ التعليم العالي في الفكر الإسلامي والعقيدة وتاريخ الأديان بجامعة السلطان مولاي سليمان، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، وبمؤسسات ومعاهد عليا أخرى.
وإلى جانب منصبه الحالي، يشغل رئيس مركز دراسات المعرفة والحضارة في بكلية الآداب ببني ملال، وخبير ومحكم في الأبحاث والدراسات الفكرية لدى مؤسسات وطنية ودولية، ويهتم بقضايا الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي، ويركز على الأسس المرجعية والمنهجية للتجديد. ويولي اهتماما كبيرا لموضوع المصطلح والمفاهيم في الثقافة الإسلامية، من حيث البناء اللغوي والتاريخي. ومن إنتاجاته العلمية والفكرية:

النخبة والإيديولوجيا والحداثة في الخطاب العربي المعاصر -الحداثة في التداول الثقافي العربي-الإسلامي: نحو إعادة بناء المفهوم - النص الإسلامي في قراءات الفكر العربي المعاصر - الثقافة والعولمة وقضايا إصلاح الفكر والتجديد في العلوم الإسلامية.
وقد حضر في هذا الدرس الافتتاحي كل من رئيس المجلس العلمي الجهوي لجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، وغالبية الرؤساء المجالس العلمية بالجهة، وأعضاء من المجلس العلمي الأعلى، وعميد الكلية السابق، ورؤساء الشعب بالكلية، ومندوبي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بإقليم تطوان وعمالة المضيق- الفنيدق، ورئيسي مركز أبي الحسن الأشعري بتطوان، ومركز عقبة بن نافع بطنجة التابعين للرابطة المحمدية للعلماء، والأساتذة والباحثين والطلبة.
إلياس التاغي، منسق نادي اللغات والتواصل الحضاري بكلية أصول الدين/ تطوان