من خلال ردود الفعل الأولية في الاوساط الصحراوية إزاء قرار مجلس الامن 2797 فالمشكلات التي قد تواجه المغرب في تنزيل مقترح الحكم الذاتي ستكون أكثر حدة واستعصاء مع الصحراويين المتواجدين بالجهات الجنوبية الثلاث منها مع صحراويي تندوف، فاطروحة جبهة البوليساريو ومواقفها واضحة منذ البداية، فيما يظهر ان نخب الصحراء المغربية لها أجندات وحسابات أخرى.
فبالرجوع إلى تصريحات بعض القيادات والشخصيات السياسية والقبلية بالمنطقة ظهر جليا تضارب وجهات النظر بخصوص الحكم الذاتي ومجال تطبيقه ومن يحق له المشاركة في مؤسساته وهيٱته ؟
لكن اللافت أكثر هو تبني تلك النخب لخطاب مخالف لخطاب الدولة الرسمي تجاه ملف الصحراء، والتي تصفه عادة بأنه نزاع "مفتعل".
فبدل أن ينصب النقاش على دعم الدولة في هذه المرحلة الحساسة، اتخذت النقاشات طابعا صداميا حول حدود المجال الجغرافي لمنطقة الحكم الذاتي والساكنة المعنية به مع توصيف قضية الصحراء ب"الملف المتنازع عليه" دون اي ذكر لمغربيتها وارتباطها التاريخي بالمملكة ..
هذه النخب نفسها التي لطالما هللت لمغربية الصحراء، اختفى فجأة من قاموسها شعار المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، واستبدل بخطاب مغاير يتحدث عن مقررات الامم المتحدة ذات الصلة والدعوة لضرورة تمتيع الساكتة الأصلية بحقوقها وفق بنود القانون الدولي والإحصاء الاسباني !
قد يقبل هذا الموقف من أي دبلوماسي أو اعلامي أو محلل سياسي أجنبي، لكن أن يصدر عن سياسيين ونخب يفترض أنهم مواطنون مغاربة منهم من يتقلد مناصب رسمية وينتمي لأحزاب مغربية فتلك مسألة تستوجب وضع علامة استفهام كبرى حولها، لما تشكله من تطور خطير وإخلال بولاء هؤلاء والتزاماتهم تجاه الدولة كما تعد هذه الخرجات مخالفة للتوجه الرسمي والشعبي الراسخ حول الوحدة الترابية للمملكة والمترجم عبر التقسيم الترابي للجهات حيث تضم جهة العيون بوجدور مثلا اقليم طرفاية والممتد إلى جماعة اخفنير شمالا الغير مدرج ضمن النزاع، كما تعد -تلك الخرجات- شقا للصف الوطني لما خلفته من ردود فعل غاضبة، والاخطر
من ذلك هو ما اثارته من نعرات قبلية وتوترات مناطقية، ناهيك عن تعارضها مع السياسات الحكومية التي تضع الجهات الجنوبية الثلاث وفق مقاربة تنموية جهوية موحدة (البرنامج التنموي للأقاليم الجنوبية، وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية...)
ختاما يمكن القول أنه وعلى الرغم مما خلفه هذا الجدل من توتر بالاقاليم الجنوبية وما كشف عنه من تباينات صارخة في الرؤى والتصورات إلا أنه من جهة أخرى سلط الضوء على إشكاليات عويصة ستواجه المملكة في حال عزمها تنزيل مقترح الحكم الذاتي على أرض الواقع، فالمجال الصحراوي المغربي في الثقافة والوجدان الشعبي الحساني المحلي يبدأ من واد نون الى الحدود الموريتانية جنوبا على خلاف الحدود الإستعمارية الإسبانية التي تقزم الصحراء في حدود لا تحترم الامتدادات الثقافية والاجتماعية للمنطقة، إذ تخرج من المعادلة مجالا حغرافيا وبشريا شكل رقما مؤثرا وهاما في ملف الصحراء عبر التاريخ وهو مجال وادنون الطنطان .
إن الاشكال الحقيقي الذي يجب أن يناقش اليوم ليس تصريحات هذا السياسي أو ذاك لانها في النهاية لاتترحم سوى وجهات نظر ذات خلفيات قبلية او مناطقية ضيقة يغلب عليها هاجس الغنيمة ....
لذلك فإن التساؤل الذي يجب البحث له عن إجابات وحلول مستعجلة هو مدى استطاعة المغرب استثمار علاقاته الدبلوماسية خاصة مع الحليف الامريكي صاحب مشروع القرار 2797 لبسط سيادته في مفاوضات الحل المرتقب ؟
بمعنى هل يستطيع إعادة ترسيم حدود منطقة الحكم الذاتي وتجاوز الخرائط الموروثة عن الاستعمار بما يوافق مصالحه السياسية والاستراتيجية ؟
ومن ثم فرض طرحه السياسي الذي يكرس فيه استمرار سيادته على الاقليم ترابيا، بشريا وسياسيا إلى مرحلة مابعد تطبيق الحكم الذاتي، بما يضمن له عدم انتقال سلطة الحكم الذاتي من الاكتفاء بتقاسم الصلاحيات مع المركز
إلى المطالبة بالانفصال .
تقلب مواقف بعض نخب الصحراء بين الامس واليوم يذكرنا انه في السياسة كل شيء متغير ولايمكن ضمان الولاءات فهي متقلبة تقلب رمال الصحراء