قالت فاطمة التامني، نائبة برلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، أنّ قوانين المالية المتعاقبة خلال الولاية الحكومية الحالية لم تبنى انطلاقا من الحاجيات الفعلية للمواطنين.
واوضحت في حوار مع "أنفاس بريس"، أن الفجوة لا تزال واسعة بين خطاب “الدولة الاجتماعية” الذي ترفعه الحكومة وبين تنزيله العملي، مبرزة أن رفض كل التعديلات الاجتماعية والجبائية، يعني أن الحكومة اختارت عدم تغيير نموذجها، وأنها غير مستعدة لفتح نقاش حول الامتيازات أو مصادر التمويل العادلة.
ما الدور الفعلي لقوانين المالية، هل تُعدّ فعلاً بناء على حاجيات المواطنين؟
من المؤكد أن قانون المالية هو الوثيقة التي تحدد اتجاه الدولة خلال سنة كاملة: أين سنستثمر؟ من سندعم؟ من سيتحمل العبء الجبائي؟ وكيف سيتم تدبير المال العام؟ لذلك هو في جوهره أداة سياسية واجتماعية وليست مجرد أرقام.
لكن حين ندرس مشاريع قوانين المالية المتعاقبة خلال هذه الولاية، نجد أنها لا تُبنى انطلاقاً من تشخيص حقيقي لحاجيات المجتمع المغربي، لا نرى أثراً لنتائج التقارير الرسمية حول المدرسة العمومية، أو مستويات العجز في المستشفيات، أو أوضاع البطالة، أو ضغط الأسعار على الأسر.
بدل ذلك، نلاحظ أن الحكومة تستمر في نفس المقاربة التقنوية: ضبط التوازنات الماكرو-اقتصادية، تخفيض العجز، وضبط النفقات، دون أن تربط ذلك فعلاً بتحسين جودة الخدمات أو تقليص الفوارق الاجتماعية.
حين نقول إن قانون المالية لا يُعدّ وفق حاجيات المواطنين، فذلك لأننا نرى استمرار ضعف الاستثمار الاجتماعي، ضعف الميزانيات الموجهة للبنيات الصحية، غياب رؤية واضحة في قطاع التعليم، وعدم وجود سياسة حقيقية لدعم الطبقة المتوسطة.
وهذا يعاكس تماماً الدور الدستوري لقانون المالية الذي يفترض أن يكون أداة للاستجابة لأولويات الشعب.
نحن أمام منظومة تحفيزات وإعفاءات ضريبية تُمنح لنفس القطاعات منذ سنوات طويلة، من دون أي تقييم شفاف لمدى فعاليتها أو أثرها على التشغيل والاستثمار الوطني.
ومع ذلك، في كل مرة نقترح تقييم هذه الامتيازات أو تقليص ما لا يثبت جدواه، نواجه برفض مطلق.
عندما تقدمنا بتعديلات لإقرار الضريبة على الثروة الكبرى، أو لتوسيع الوعاء الضريبي على الأرباح المرتفعة، تم الرفض القاطع . بينما يتم الإبقاء على إعفاءات لا مبرر موضوعي لها
بل تعكس اختلالات بنيوية تعترف بها حتى المؤسسات الرسمية:
– تركيز الامتيازات في يد فئات محدودة،
– غياب تقييم للأثر،
– ضعف العدالة الجبائية،
– وعبء ضريبي ملقى على كاهل الطبقة المتوسطة.
حين تصبح الأقلية المستفيدة من الامتيازات أقوى من الأغلبية التي تحتاج للخدمات العمومية، فمن الطبيعي أن يُطرح السؤال: هل قوانين المالية تُكتب للمجتمع أم للّوبيات؟
هل نجحت الحكومة في تنزيل شعار “الدولة الاجتماعية” عبر قوانين المالية؟
المفهوم الحقيقي للدولة الاجتماعية واضح: هو ضمان تعليم جيد، صحة في المتناول، حماية اجتماعية فعالة، شغل كريم، وعدالة جبائية.
لكن حين نقارن هذا التعريف بما تضمنته قوانين المالية، نجد فجوة كبيرة بين الخطاب والتنفيذ.
في التعليم، ميزانية القطاع لا تزال دون مستوى الإصلاحات المنشودة، وفي المقابل يتم الدفع بمنطق تقنوي لا يعالج عمق الأزمة.
في الصحة، نعاني من نقص كبير في الأطر والتجهيزات، وحتى الاستثمارات المعلنة لا تُترجم ميدانياً، بسبب غياب رؤية واضحة لتأهيل المستشفى العمومي الذي يتم تفويته للقطاع الخاص.
في الحماية الاجتماعية، الورش مهم من حيث المبدأ، لكنه يحتاج لتمويل دائم ومنطقي، وهذا التمويل لا يمكن أن يأتي دون عدالة جبائية ودون مساهمة تصاعدية من الثروة الوطنية.
أما القدرة الشرائية، فالمغاربة يعيشون ضغطاً يومياً بسبب الأسعار، ولم تتضمن قوانين المالية إجراءات جريئة لحماية الفئات الضعيفة أو دعم الدخل.
باختصار، الدولة الاجتماعية لا يمكن أن تقوم بمجرد خطابات أو برامج غير ممولة.
الدولة الاجتماعية تحتاج لميزانية اجتماعية قوية، ونحن لم نر ذلك بعد.
التعديلات التي قدمناها لم تكن سياسية أو إيديولوجية، بل كانت إصلاحية وموضوعية، وتستجيب لأولويات المغاربة.
قدمنا تعديلات لفرض الضريبة على الثروة الكبيرة حتى نتمكن من تمويل قطاعات الصحة والتعليم. قدمنا تعديلات لإعادة تقييم الإعفاءات الضريبية التي تستهلك المليارات دون مردود واضح. اقترحنا توجيه الاستثمار العمومي نحو القطاعات التي ينتظرها المواطن مباشرة، بدل مشاريع لا أثر لها على المعيش اليومي.
رفض هذه التعديلات يعكس خياراً سياسياً:
الاستمرار في نفس النموذج المالي الذي يكرس الفوارق، ولا يعيد توزيع الثروة بشكل عادل، ولا يضع الأولوية للخدمات العمومية.
وبالتالي، حين تُرفض كل التعديلات الاجتماعية والجبائية، فهذا يعني ببساطة أن الحكومة اختارت عدم تغيير نموذجها، وأنها غير مستعدة لفتح نقاش حول الامتيازات أو مصادر التمويل العادلة.
وهذا لا يخدم بناء دولة اجتماعية، ولا يخدم الثقة بين المواطنين والمؤسسات.