جمال المحافظ: الصحافة الرياضية تحدي ورهان

جمال المحافظ: الصحافة الرياضية تحدي ورهان جمال المحافظ ( وسط)

مداخلة جمال المحافظ بعنوان "الاعلام الرياضي رهانات وتحديات" في ندوة نظمتها جمعية رياضة وصداقة- لجهة الشرق يوم  14 نونبر 2025 بوجدة:

 

تستأثر الصحافة المتخصصة في الرياضة، حاليا باهتمام واسع من لدن مختلف مكونات الرأي العام، وأصبحت علما قائم الذات واستثمارا بالغ الأهمية ينعكس على كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحضارية والثقافية لأي بلد من البلدان. إذ يمكن في هذا المجال استحضار التفاعل العالمي الذي حظي به فوز المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة، بكأس العالم لكرة القدم بالشيلي،  وقبلها تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم لأول مرة إلى نصف نهاية مونديال قطر فيفا 2022.

فالمبارة النهائية بين المنتخب المغربي ونظيره الارجنتيني لمونديال الشباب الأخير،حققت نسبة مشاهدة قياسية، بلغت حسب الاتحاد الدولي لكرة القدم ( الفيفا )، 2 مليار و 800 مليون عبر مختلف العالم.  وهنا لنا أن نتصور الانعكاسات الإيجابية لذلك، ليس فقط على الرياضة الوطنية، ولكن على صورة المغرب واشعاعه، كما أن تلك المواكبة الاعلامية العالم، جعلت مختلف بلدان العالم، تتعرف على أن هناك في افريقيا، مدرسة كروية  مغربية، أصبحت تضاهي أعرق المدارس الكروية في أوروبا وأمريكا اللاتينة .

 

اعلام محترف

وإذا كانت الصحافة، تجعل الجمهور يعيش كل لحظات المنافسات بنجاحاتها وبانكساراتها أيضا، فإن تطوير الرياضة بصفة عامة، لا يمكن أن يتحقق  في أي بلد من البلدان، دون التوفر على وسائل اعلام محترفة .

فالصحافة الرياضية التي يعود تاريخ ظهورها كتخصص اعلامي في مستهل القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة الأمريكية، بانشغال الصحف آنذاك، برياضة الملاكمة وسياق الخيول، تشهد حاليا في عصر الثورة الرقمية تحولات كبرى وعميقة.

لكن ماهي وضعية اعلامنا الوطني وواقع صحافتنا الرياضية حاليا؟، فإذا كان الإعلام الرياضي، يعرف على المستوى العالمي، تطورا متناميا، يفوق في كثير من الأحيان التخصصات الإعلامية الأخرى من صحافة سياسية واقتصادية وثقافية، فإن الصحافة الرياضية – كما هو شأن تخصصات الاعلام الأخرى- ظل في وضعية دون مستوى التطلعات والرهانات والإنجازات التي يحققها الرياضيون المغاربة خاصة في ميدان كرة القدم.

 

مشاكل مركبة

وتعاني الصحافة الرياضية، في هذا الصدد من مشاكل مركبة واختلالات مزمنة، من بين أسبابها النظرة السلبية للصحافة، وهشاشة السياسات الرياضية العمومية التي لاتستجيب بما فيه الكفاية للحاجيات والتطلعات، تنضاف الى ذلك عوامل ذاتية عديدة منها، عجز الاعلام عن ضمان مواكبة احترافية للمنافسات الرياضية، يرافقه ضعف واضح لما يقدم من منتوج إعلامي رياضي، إذ يلاحظ غالبا في هذا السياق، أن ما يتم التركيز على الأخبار والتغطيات وتقديم نتائج المنافسات، وهي المهمة التي أصبح الجمهور يتوصل بها مباشرة وبسرعة، بفضل ما تتيحه وسائط التواصل الحديثة.

غير أن وضعية الصحافة الرياضية، لا يمكن عزلها بصفة عامة عن واقع الإعلام  الوطني الذي يعرف هشاشة ووهن واضحين، أدى ذلك الى فقدان ثقة الرأي العام، رغم أن الاشكال لا يرتبط فقط  بالصحافة الرياضية، بل بموقع الاعلام في التصورات والاستراتيجيات والبرامج المعتمدة على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

 

مونديال فرصة

إن استضافة المغرب لكأس العالم فيفا 2030 بمعية اسبانيا والبرتغال، يمكن أن يشكل فرصة  للنهوض بالصحافة والاعلام الذي تحول من سلطة رابعة الى سلطة أولى، وذلك نتيجة التقدم التكنولوجي. وإذا كان من الإيجابي ما يلاحظ من انخراط للمغرب في التحضير للمونديال، خاصة منذ الإعلان رسميا في 11 دجنبر 2024، عن اختيار البلدان الثلاثة المغرب لاحتضان هذا الحدث الكروي العالمي الثاني بالقارة الافريقية، بعد النسخة 19 التي احتضنتها سنة 2010 جنوب افريقيا.

وإذا كان المغرب قد بذل مجهودات جبارة في توفير بنيات الاستقبال، من مركبات رياضية، طرق، ومطارات، وموانئ، وقطارات، ومستشفيات، وفنادق، وفضاءات خضراء، وأنظمة اتصال.. إلى غيرها، فإن الأمر يتطلب كذلك أن تتوفر بلادنا على  إعلام مهني حيوي ديناميكي، قادر على التعاطي مع هذا الحدث العالمي، لانه لا رياضة بدون اعلام والعكس هنا صحيح.

إن أبرز التحديات التي يواجهها الاعلام الوطني في ظل كأس العالم 2030، قضية التكوين واستكمال التكوين، لأن الصحافي لا يكون صحفيا بناء فقط على رغبة ذاتية، ولكن يتطلب أن يتوفر على تكوين علمي وزاد فكري وثقافي ودربة تقنية. لذا أصبح من المفروض العمل على تأهيل الصحافة الرياضية، بما يتجاوب مع التحولات الراهنة، لكون الاهتمام بالاعلام يعد من بين المداخل الحاسمة المساهمة بالارتقاء  بالرياضة ومن خلالها معها تسويق ثقافة وحضارة  البلاد.

ويعد حدث المونديال، فتنظيم تنظيم المونديال الذى يعد شأنا عاما، هو أكثر من مجرد مباريات، فهو تظاهرة رياضية بنفس ثقافي بامتياز، وهو ما يستدعى بهذه المناسبة العالمية الكبرى من الاعلام بتخصصاته المختلفة، تثمين الجوانب الحضارية والثقافية والفكرية للمملكة وتقديمها بأفضل حلة وحرفية الى العالم المتعدد، لأن مباريات كأس العالم لا تتعدى منافساتها الساعتين.

 

مغرب آخر

وإذا كان اثارة الانتباه الى دور الاعلام في المونديال، ينطلق من أهمية ما تتضطلع به الميديا في هذا الحدث غير المسبوق في تاريخ المغرب وانعكاساته الإيجابية على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، وهو ما يتطلب من جملة ما يتطلب الانفتاح على الفاعلين من ذوى الخبرة في المجلات الإعلامية والرياضية والثقافية والأكاديمية، للمساهمة في انجاح مونديال فيفا بكل من المغرب واسبانيا والبرتغال، الذي سيتزامن تنظيمه مع ثورة إعلامية ستكون قطعا جديدة، يزيد من تحدياتها ما يعرفه الذكاء الاصطناعي من تطور مثير . فبطولة كأس العالم 2030 ستدشن بالضرورة لانبثاق مغرب آخر لما لهذه التظاهرة الرياضية العالمية من انعكاسات تتجاوز ما هو رياضي إلى ما هو ثقافي وسياسي واقتصادي، مما سيكون له تأثيرات على كافة القطاعات، لكن يظل الأهم  الأثر الذي سيخلفه هذه الحدث الرياضي العالمي، الذي يتطلب التوفر استراتيجية متعددة الأبعاد.