أريري: تاونات والحسيمة تطالبان بإطلاق الجيل الثاني من "طريق الوحدة"

أريري: تاونات والحسيمة تطالبان بإطلاق الجيل الثاني من "طريق الوحدة" عبد الرحيم أريري (واقفا)، أمام النصب التذكاري لطريق الوحدة بقنطرة "أسكار"، وببلدة إساكن بكتامة
الصورة الأولى التقطت بقنطرة "أسكار" بجماعة الزريزر، التابعة لنفوذ إقليم تاونات.
الصورة الثانية التقطت في بلدة "إساكن" بكتامة التابعة لإقليم الحسيمة.
المسافة الفاصلة بين الموقعين تبلغ 80 كلم.
 
رمزية الصورتين لا ترتبط بإقليمين جبليين يتقاسمان شحا في الاستثمارات العمومية، ويشتركان في نفور الباطرونا المغربية من المغامرة في الاستثمار في ترابهما، كما أن رمزية الصورتان لا ترتبط بثراء وتنوع مؤهلاتهما الاقتصادية غير المستغلة وغير الموظفة بشكل يجلب المنفعة لسكان المنطقة وللمغرب كلل.
 
رمزية الصورتين تكمن في أنها توثق لمغرب كان مغربا واحد وموحدا، إلى أن تم تمزيقه من طرف الاستعمار الأوربي إلى منطقتين: منطقة خليفية بالشمال تحت نفوذ الإسبان، ومنطقة جنوبية تحت نفوذ فرنسا، بدون أن يكون هناك أي طريق يربط بين المنطقتين، اللهم بضع مسالك جبلية متربة وصعبة لا تستعملها إلا البغال.
 
وحين حصلت البلاد على الاستقلال عام 1956، وجد المغرب نفسه عاجزا عن تلحيم مجاله الوطني وجمع أشلاء ترابه بطرق معبدة ومهيكلة، لكون الخزينة العامة كانت فارغة بسبب شفط مواردها من طرف المستعمر، وبالتالي صعب على المغرب الفتي آنذاك، تدبر الأموال والأغلفة اللازمة لتمويل مشروع طرقي رئيسي يربط الشمال بالجنوب. إذ لم تكن أي طريق رابطة بين تاونات وبين الحسيمة عبر إساكن. بل كان هناك فقط مسلك عسكري غير معبد بين "خميس الزريزر" و"تاونات القشور". ونفس الشيء يسري على شمال "إساكن" التي كان يربطها بمركز "إكاون" ممر عسكري غير معبد وصعب المرور منه، إلا بالكاد للسيارات العسكرية وفي فصول ملائمة.
 
لكن بين المركزين العسكريين (إيكاون وتاونات القشور)، لم يكن المرور متاحا لأي عربة، إذ كانت هناك فقط ممرات للبغال.
 
من حسن الحظ أن المغرب الحديث العهد بالاستقلال، كان يعرف رعشة قومية، وفي حمأة هاته الرعشة الوطنية قرر المرحوم محمد الخامس يوم 9 يونيو 1957 بناء طريق يربط بين "المغربين": المغرب المحتل إسبانيا والمغرب المحتل فرنسيا، بسواعد المتطوعين من الشباب المغاربة، واختار لها اسم "طريق الوحدة"، على أساس أن الشباب سيتجند مجانا للعمل بالأوراش، والدولة تلتزم بتوفير الآليات والمعدات التقنية والشاحنات والمعاول والمهندسين والأطر التقنية مع ضمان اللوجيستيك (من خيام للمبيت وأكل وشرب وتطبيب).
 
تقديرات التقنيين آنذاك (من مهندسين وعسكريين)، كانت تشير إلى وجوب حشد 12.000 شاب متطوع لشق "طريق الوحدة" على طول 80 كلم، بمعدل 4000 شاب في الشهر لإنجاز الورش في مدة ثلاثة أشهر.
 
لكن المفاجأة أن المرحوم محمد الخامس، ما إن وجه نداء التعبئة العامة للشباب من مدينة مراكش مساء الجمعة 14 يونيو 1957 للمساهمة في مشروع "طريق الوحدة"، حتى تقاطر على مكاتب التسجيل في ظرف 15 يوما أزيد من 50 ألف شاب متطوع، أي ما يفوق أربعة أضعاف العدد المطلوب. مما أدى إلى حصر اللوائح والمرور إلى انتقاء المتطوعين باستحضار هاجس رئيسي، ألا وهو ضمان تمثيلية الشباب من كل المدن والقرى بالمغرب في هذا الورش الوطني المهم.
 
لمواكبة الورش والإشراف على تنفيذ "طريق الوحدة"، شكل محمد الخامس لجنة وطنية تحت رئاسة ولي العهد مولاي الحسن، بوصفه رئيس أركان القوات المسلحة الملكية، والذي تسجل كأول متطوع في الورش.
 
هذه اللجنة الوطنية ضمت في عضويتها كلا من: مبارك البكاي (رئيس الحكومة)، عبد الرحيم بوعبيد (وزير الاقتصاد)، محمد الدويري (وزير الأشغال العمومية)، محمد الزغاري( وزير الدفاع)، إدريس المحمدي (وزير الداخلية)، محمد الفاسي (وزير التهذيب الوطني)، الدكتور فراج (وزير الصحة)، المهدي بن بركة (رئيس المجلس الوطني الاستشاري).

أما المهندس الرئيسي الذي أشرف على تتبع الأشغال فكان هو المهندس محمد الركراكي.
وبتاريخ 5 يوليوز 1957، افتتح المرحوم محمد الخامس ورش "طريق الوحدة"، تحت شعار:" نحن نبني الطريق والطريق تبنينا".

وكما كان مقررا، تم إنهاء الأشغال في "طريق الوحدة"، من طرف 12 ألف شاب في الآجال المحددة. إذ في يوم فاتح أكتوبر 1957، سيتوج الملك محمد الخامس اختتام الورش، حيث استعرض في خطاب فاس مغزى هذا الورش المهم.
 
تجربة "طريق الوحدة" استلهمها المغرب من تجربة عدة دول عانت من ويلات الاستعمار، فجندت شبابها للتطوع لإعادة بناء أوطانها. كما استلهمها المغرب من تجارب دول دمرتها كوارث طبيعية رهيبة، فوجدت في سواعد شبابها خير عزاء لتجاوز غضب الطبيعة.
 
من هاته الدول نذكر نموذج يوغوسلافيا أو الهند، وكذا تجربة اليابان التي عانت من تبعات الحرب العالمية الثانية فجندت آلاف الشباب في حملات تطوع كبيرة لإحياء الغابات التي أحرقها القصف الأمريكي، أو لبناء السدود لمنع جرف التربة بالأمطار والسيول. 

نفس الشيء وقع في النمسا وسويسرا اللتين غرقتا في الفيضان عام 1951، فتم الاستنجاد بآلاف الشباب النمساوي والسويسري لتنظيف الحقول وتحرير الطرق وإزالة الأنقاض. وهذا ما حدث أيضا في هولندا التي دمر تسونامي عام 1953 معظم بنيتها التحتية، فعبأت هولندا شبابها لمواجهة مخلفات التسونامي.
 
اليوم تمر 68 سنة على ذكرى شق "طريق الوحدة" بالمغرب، وهي ذكرى تستحق التفاتة من السلطة المركزية لصيانة هاته الطريق التي تآكلت منها مقاطع مهمة، وتأهيل المراكز والأنوية الحضرية الموجودة بجنباتها (من قبيل: خلالفة، إكاون، قنطرة بوجمعة، أولاد البيزي، ثلاثاء كتامة، إساكن...)، ولم لا انتهاز الفرصة لثثنية هذه الطريق الرابطة بين تاونات والحسيمة، ضمانا لحق جبالة وريافة في شريان آمن وسريع يربطهم مع باقي التراب الوطني.
 
فالمغرب ليس هو "الرباط" فحسب، 
والمغرب ليس هو مدن الواجهة الأطلسية فقط،
إن المغرب هو أيضا مدن وقرى توجد بالجبال والواحات تستحق هي الأخرى أن تنعم بنصيب من ثروة البلاد وتحظى بحقها من الجيل الجديد من الأوراش المهيكلة لتراب الوطن. 
فاللهم ارحم كل من فكر وخطط وأشرف ونفذ وساهم في إنجاز "طريق الوحدة".
 
ملحوظة:
من يود تعميق معارفه بخصوص "طريق الوحدة"، أقترح عليه قراءة الكتاب التوثيقي الشيق، لمؤلفه "حسن أميلي"، تحت عنوان:
"طريق الوحدة" – صيف 1957 تجربة رائدة في العمل التطوعي".
دفاتر كتابة الدولة المكلفة بالشباب رقم 1 (2006).