خلال الأيام الأخيرة انتشرت مجموعة من المعطيات غير الدقيقة حول قطاع السيارات في المغرب، خصوصاً ما يتعلق بصادراته، أرباح الشركات الأجنبية، والدعم العمومي المخصص للمشاريع الصناعية الجديدة. ورغم أن النقاش حول الصناعة الوطنية صحي وضروري، فإن جزءاً من الأرقام المتداولة يحمل قدراً من سوء الفهم، مما يخلق صورة غير صحيحة لدى الرأي العام.
صادرات المغرب من السيارات تجاوزت بالفعل 150 إلى 170 مليار درهم سنة 2024، وهو إنجاز جعل المملكة أول مُصَدّر للقارة الإفريقية. لكن القول إن 96% من أرباح هذا القطاع تُحوَّل إلى فرنسا ادعاء لا يستند إلى أي مصدر رسمي، لا من بنك المغرب ولا من CGEM ولا من وزارة الصناعة ولا من الشركة الأم الفرنسية التي تنشر تقاريرها الرسمية عبر بوابتها وعبر بورصة باريس. القيمة المضافة المحلية في مصانع رونو وحدها تتراوح بين 50 و65%، ما يعني أن جزءاً كبيراً من العائدات يبقى داخل الاقتصاد الوطني عبر الأجور، سلاسل التوريد المحلية، الضرائب، اللوجستيك والاستثمار. وبالتالي، الخلط بين قيمة الصادرات وبين أين تذهب الأرباح هو مبالغة لا تعكس حقيقة البنية الصناعية.
نفس الشيء ينطبق على مشاركة صندوق الإيداع والتدبير في مشروع رونو طنجة سنة 2007. فالصندوق لم يدخل بنسبة 47% كما تم تداوله، بل شارك عبر ذراعه الاستثماري FIPAR-Bholding بنسبة أقل بكثير، وبشكل مؤقت ، وهو امر كان ضروري، من أجل إنقاذ مشروع استراتيجي بعد انسحاب “نيسان”. وبعد استقرار المشروع، انسحبت CDG. ربط هذا الحدث القديم بالأرباح الحالية أو بتوجيه الدعم اليوم يفتقر إلى الدقة الزمنية والاقتصادية.
أما ما يتعلق بالدعم العمومي والميثاق الجديد للاستثمار، فقد شاع أن القانون يمنع منح أي دعم لأي مشروع صناعي إذا لم تتجاوز نسبة الإدماج المحلي 40% منذ السنة الأولى. هذا أيضاً غير صحيح. القانون يفرض على الشركات الوصول إلى نسبة الإدماج المطلوبة عبر مسار تعاقدي تدريجي، وليس فوراً، وهو أمر معمول به عالمياً. مشروع السيارة الكهربائية المغربية مثلاً بدأ بنسبة إدماج تقارب 30% مع التزام رسمي بالوصول إلى 50–60% في أفق 2026، وهو ما يتماشى مع الميثاق الوطني للاستثمار ولا يخالفه. لذلك، تحويل النقاش إلى اتهامات “عدم قانونية” يظل بعيداً عن الروح الواقعية للنصوص المنظمة.
صحيح أن الدعم العمومي بقيمة ملياري درهم يثير أسئلة مشروعة حول الشفافية، لكن تقييمه يحتاج إلى الاطلاع على العقود، التزامات الشركات، نسب الإدماج المتفق عليها، وعدد من الوثائق التقنية التي تحدد مسار التنفيذ. بدون ذلك، يصبح النقاش مجرد تخمين أو انطباع، لا يرتقي إلى مستوى التحليل الاقتصادي.
إن قطاع السيارات في المغرب قصة نجاح حقيقية: من صفر صناعة سنة 2000 إلى أكثر من 700 ألف سيارة منتجة سنوياً اليوم، وأكثر من 220 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر، ونسب إدماج تتجاوز 60% في بعض الوحدات. ومع ذلك، يبقى ضرورياً تعزيز الشفافية، نشر تقارير سنوية حول نسب الإدماج، محاسبة أي اختلالات، وتشجيع المستثمر المغربي على دخول الصناعة المتقدمة وخوض غمارها بكل تفائل. لكن كل هذا يجب أن يتم استناداً إلى المعطيات الصحيحة، لا عبر الأرقام الغير الدقيقة. المغرب يبني اليوم صناعة سيارات واعدة وقادرة على المنافسة الدولية، ويستحق نقاشاً موضوعياً مبنياً على الحقائق.