الصحة في المغرب: ضرورة استعجالية لوضع سياسةٍ وطنيةٍ وقائية من الأمراض

الصحة في المغرب: ضرورة استعجالية لوضع سياسةٍ وطنيةٍ وقائية من الأمراض الدكتور أنور الشرقاوي والدكتورة البلغيتي حسناء
حوار أعدّه الدكتور أنور الشرقاوي خبير في التواصل الطبي والإعلام الصحي الدكتورة البلغيتي حسناء، طبيبة أمراض القلب، تدق ناقوس الخطر وتدعو إلى ثورةٍ وقائية شاملة 
 
في صمتٍ رهيب تتقدّم الأمراض المزمنة في جسد المغرب كما يتقدّم الظلّ على الجدار، تنسج خيوطها حول المجتمع، وتُهدّد نبض الوطن .
السكّري، السمنة، ارتفاع الضغط الدموي، أمراض القلب… جميعها تنبع من جذرٍ واحدٍ هو غيابُ ثقافة الوقاية .
لقد تعوّدنا، زمناً طويلاً، أن ننتظر المرض ثم نحاربه.
أمّا اليوم، فالمعركة الحقيقية تبدأ قبل ظهور واحد من أعراض هذه الأمراض، في المدرسة، في المعمل وفي البيت.
من هذا المنطلق، تدعو الدكتورة البلغيتي حسناء إلى ما تُسميه «الثورة الهادئة»: ثورة الوقاية قبل العلاج.
 
الدكتور أنور الشرقاوي: لماذا كل هذا الإصرار على الوقاية من الأمراض التي قد تصيب القلب؟
الدكتورة البلغيتي حسناء: لأن أمراض القلب والأوعية هي السبب الأول للوفاة في المغرب، ومعظمها يمكن تفاديه.
نعلم أنّ ارتفاع الضغط، والسكري، والتدخين، والخمول، وسوء التغذية هي مفاتيح الكارثة، وهي في متناولنا لنُغيّرها.
علينا أن نتحرّك قبل المرض، لا بعده.
 
الدكتور أنور الشرقاوي: تحدّثتِ عن واقعٍ «مُخيف»… ماذا تقصدين؟
 الدكتورة البلغيتي حسناء: المشهد فعلاً مقلق. نرى تفشّي السكّري والسمنة وارتفاع الضغط منذ سنٍّ مبكرة.
إن لم نتحرّك اليوم، فسنواجه في المستقبل القريب وباءً صامتاً من الجلطات القلبية والدماغية والفشل القلبي والكلوي.
هذه الملامح بدأت تتكوّن أمام أعيننا.
 
الدكتور أنور الشرقاوي: هل يعني ذلك أنّ نظامنا الصحي بحاجة إلى تغيير جذري؟
 الدكتورة البلغيتي حسناء: بلا شكّ. نظامنا بُني على فكرة العلاج، لا الوقاية.
غير أنّ بلداً نامياً مثل المغرب لا يستطيع أن يتحمّل الكلفة الباهظة لعلاج الأمراض المزمنة إلى ما لا نهاية.
نحتاج إلى نموذجٍ جديدٍ: نموذجٍ يعلّم قبل أن يُداوي، ويرافق قبل أن يُسعف.
 
الدكتور أنور الشرقاوي: وكيف نزرع هذه الثقافة في الأجيال الجديدة؟
 الدكتورة البلغيتي حسناء: البداية من المدرسة.
الصحة يجب أن تُدرّس كما تُدرّس اللغة والتاريخ.
يجب أن يتعلّم الطفل منذ الصغر أن الطعام المتوازن، والنوم الكافي، والنشاط البدني، ليست تفاصيل بل أركان الحياة.
الطفل الواعي اليوم هو المواطن السليم غداً.
 
الدكتور أنور الشرقاوي: هل هناك تجارب عالمية يمكن أن نستلهمها؟
الدكتورة البلغيتي حسناء: نعم، بلدان كثيرة أدركت أنّ الوقاية أوفر من العلاج.
بعض شركات التأمين في أوروبا وأمريكا تُكافئ من يمارس الرياضة أو يُجري فحوصاته السنوية.
المؤسّسات بدورها صارت تعتبر صحة العامل جزءاً من استثمارها، لأن الموظف السليم أكثر عطاءً وأقلّ غياباً.
هذه الرؤية هي ما يجب أن نُترجمها في المغرب إلى سياسةٍ وطنية.
 
الدكتور أنور الشرقاوي: ما الإجراءات العاجلة التي ترينها ضرورية؟
الدكتورة البلغيتي حسناء: أوّلها التواصل.
يجب أن نُطلق حملاتٍ واسعة عبر التلفاز والراديو والمنصّات الرقمية تُبسّط للناس القواعد الذهبية:
ممارسة النشاط البدني ساعتين ونصف أسبوعياً،
نظامٌ غذائي متوازن،
نومٌ كافٍ،
وإدارةٌ سليمة للتوتر.
ثمّ علينا أن نُكثّف فحوص الضغط والسكري والكولسترول، لأن آلاف المرضى يجهلون إصابتهم.
 
الدكتور أنور الشرقاوي: في ختام هذا الحوار، هل تؤمنين أنّ مستقبل صحة المغرب رهنٌ بالوقاية؟
الدكتورة البلغيتي حسناء: يقيناً.
مستقبلنا الصحي لن يُبنى على غرف الإنعاش بل على الوعي الجماعي.
الوقاية ليست ترفاً، بل درعُ الأمة.
إنها صونٌ للعائلة، واقتصاد، ووعدٌ بمستقبلٍ أكثر إشراقاً.
وفي الوقت الذي تتكاثر فيه الجلطات والسكّري في صمتٍ خانق، ترفع الدكتورة البلغيتي حسناء صوتها بنداءٍ وطني:
فلنستثمر في الوقاية قبل أن تبتلع الطوارئ ما تبقّى من أنفاس نظامنا الصحي.
أرقامٌ تنطق بالحقيقة: 
أمراض القلب والأوعية : السبب الأول للوفاة في المغرب.
السكّري: يُصيب نحو 10٪ من البالغين.
ارتفاع الضغط: أكثر من 30٪ ممن تجاوزوا الأربعين.
الخمول أو عدم وقلة الحركة البدنية : 60٪ من البالغين لا يلبّون توصيات منظمة الصحة العالمية.
الهدف الوطني: ساعتان ونصف من النشاط البدني المعتدل أسبوعياً.