رشيد حموني: التنمية في الجنوب… لحظة اعتزاز لا مساءلة

رشيد حموني: التنمية في الجنوب… لحظة اعتزاز لا مساءلة رشيد حموني
في تعقيب له خلال جلسة الأسئلة الشفهية الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة الموجَّهَة إلى رئيس الحكومة، حول موضوع: "السياسة العامة المتعلقة بالتنمية والاستثمار بالأقاليم الجنوبية المغربية"،  الاثنين 10 نونبر 2025، أكد النائب رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب على ضرورة الارتكازُ على المكاسب والنجاحات، وتحصينُها، والارتقاءُ بها، بِرَفْعِ التحديات الجديدة، للمُضِيِّ قُدُماً في بناءِ المغربِ الواحدِ الموَحَّد والصاعد.
جريدة "أنفاس بريس " تنشر تعقيب البرلماني رشيد حموني..
 
شكرا السيد الرئيس المحترم؛
السيد رئيس الحكومة؛
السيدات والسادة النواب والوزراء؛
السيدات والسادة النواب؛
السلام وعليكم؛
في البداية، دَعُوني أؤكِّدُ أنَّ مناقَشَتَـــــنا لموضوع "التنمية في أقاليمنا الجنوبية" تتجاوَزُ كَوْنَها لحظةً عاديةً لــــمُساءَلةِ البرلمان لهذه الحكومة ورئيسِهَا، إلى كونِها لحظةً تُترجِمُ وُقُوفَنَا الجماعي اعتزازاً بالتطوُّر الهائل الذي عَرَفَتهُ أقاليمُ وجهاتُ جَنُوبِنا العزيز، منذ استرجاعها إلى حُضن الوطن، وخاصة بعد بلورة النموذج التنموي لأقاليمنا الجنوبية قبل 10 سنوات؛
لكن أيضاً هي لحظةٌ لاستشراف ما يتعينُ القيامُ به في المستقبل القريب؛
وهي لحظةٌ يتقاطعُ فيها "الوطنيُّ السياديُّ" ب"السياسي التنموي"، حيثُ أنَّ توطيدَ مغربية الصحراء أسَّسْنَـــاهُ، كشعبٍ ودولة، على منظورٍ متكاملٍ يَجمعُ، بشكلٍ خَلَّاق، بين دينامية العمل الدبلوماسي، وبين ودينامية النُّهوض التنموي.... ونَجَحنا، إلى حدِّ الآن، في المُهِمَّتيْن معًا؛
واليوم، علينا الارتكازُ على المكاسب والنجاحات، وتحصينُها، والارتقاءُ بها، بِرَفْعِ التحديات الجديدة، للمُضِيِّ قُدُماً في بناءِ المغربِ الواحدِ الموَحَّد والصاعد.
وهذه مناسبةٌ نُجدِّدُ فيها تهنئتنا الحارَّة إلى جلالة الملك على دوره الريَّادي والحاسم في تحقيقِ الإنجاز التاريخي والفارِق، المتمثل في القرار الأخير لمجلس الأمن، الذي يُكَرِّسُ الحُكْمَ الذاتي، في كَنَفِ السيادة المغربية، كأساسٍ وحيدٍ وواقعي وقابلٍ للتطبيق، من أجل الطيِّ النهائي للنزاع المفتعل حول صحرائنا المغربية.
إنَّ كُتُبَ التاريخ سَــــتُسَــــجِّـــلُ هذا الإنجاز العظيم، بمدادِ المجْــــدِ والشُّمُوخ، باسم جلالة الملك محمد السادس، نصره الله؛
وفي هذا السياق، نُثمِنُ القرارَ المَلَكيَّ السامي القاضي بإقرار يوم 31 أكتوبر من كل سنة عيدًا وطنيًّا جديدًا يَحملُ اسم "عيد الوحدة"، بما يَحمله من دلالاتٍ على المكانة المتميزة لهذا الحَدَث العظيم في التاريخ المغربي، وما تَــــحمِـــلُــهُ هذه التسميةُ من رمزيةٍ تُحِيلُ على الوحدةِ الوطنية والترابية الرَّاسِخَة للمملكة المغربية.
السيدات والسادة؛
منذ استرجاع أقاليمنا الجنوبية إلى حُضن الوطن، عرفت نهضةً تنموية هائلة، إذْ لا مجال للمقارنةِ بين ما كانت عليه، وما أصبحت عليه؛
ولقد كان، ولا يزال، النموذجُ التنموي لأقاليمنا الجنوبية، الذي أطْـــــلَقَهُ جلالةُ الملك، قبل عشر سنوات، محطَّةً مفصليةً في مسار التنمية بهذا الجزء الغالي من وطننا؛
نموذجٌ تأسَّسَ على رؤيةٍ ملكيةٍ استشرافية، مقرونةٍ بالالتزام والتفعيل والتمويل؛ واستلهَمَ تَــــوَجُّهَـــاتِهِ من المشروع الوطني للجهوية المتقدمة، باعتباره خياراً ديمقراطيًّا وتنمويا؛ ومن منظومة حقوق الإنسان، باعتبارها كُلٌّ لا يَقبَلُ التجزيء، بما في ذلك الحقُّ في الثقافة وصَوْنُ التُّراث اللامادي الصحراوي الحساني، والحق في الاستفادة المُنصِفَة والمستدامَة من الخيرات؛
هكذا، تمَّ آنذاك توقيعُ عشراتِ الاتفاقيات وعقود البرامج، لإنجاز مئات المشاريع، بعشرات الملايير من الدراهم، أمام أنظار جلالة الملك، بالعيون، ثم بالداخلة؛
واليوم، ها هي النتائج أمام أعيُنِنا: مُبْـــهِـــرَةٌ ومتواصلةٌ وواعدةٌ بالأفضل، حيثُ تَغَيَّرَ جذرياًّ وإيجاباً الوَجْـــــهُ التنموي لأقاليمنا الجنوبية الغالية؛
ولوْ كان الوقتُ مُتاحا لَقَضَيْنا ساعاتٍ وساعاتٍ، هنا، في سردِ المنجزات المحقَّقَة، في جميعِ المجالات:
في البِنيات التحتية، والاستثمارات العمومية والخاصة، وفي الطاقات المتجددة؛ والنقل الطرقي والجوي، والمطارات، والموانئ، بما فيها جوهرة ميناء الداخلة الأطلسي؛ وفي النشاط الفلاحي، والصناعي، والسياحي، والصيد البحري؛ وبِناء السدود ومحطات تحلية المياه؛
وتَشملُ النتائجُ، أيضاً، المسألة الاجتماعية، حيثُ ارتفع الدَّخلُ الخام الفردي بأقاليمنا الجنوبية؛ وتَحسَّنَتْ مؤشرات التنمية البشرية، وتطوَّرت كثيراً الخدماتُ العموميةُ الأساسية، من صحةٍ، وتعليم، وسَكن، وتأهيلٍ حضري، وربطٍ بالماء والكهرباء وتَطهير السائل وبشبكة الاتصالات؛ ومن نُهوضٍ بالعمل الاجتماعي، وارتقاءٍ بالثقافة الحسانية؛ ودعمٍ لمبادرات التشغيل، وللاقتصاد التضامني.
وها هي، اليوم، تنفتحُ آفاقٌ جديدةٌ أمام جهاتِنا الجنوبية، وأمامَ بلادِنا بِرُمَّتِها، من خلال المبادرات الملكية الرائدة في اتجاه عُمقِنا الأفريقي: مشروع أنبوب الغاز المغربي-النيجيري؛ ومسلسل الرباط للدول الإفريقية الأطلسية؛ ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي.
وها هي استثماراتٌ هائلة بدأت تتدفق، وصناعاتٌ متطورة تلوحُ في الأفق؛ ونستشرف أن تتحول أقاليمنا الجنوبية إلى منصة رائدةً لقطاع الهيدروجين الأخضر.
السيد رئيس الحكومة المحترم؛
عندما جاءت هذه الحكومةُ في نهاية 2021، وَجدت أمامها، أيضاً، وثيقةَ النموذج التنموي الجديد، على صعيد كافة التراب الوطني، بما تحمله من إصلاحاتٍ وتوجُّهاتٍ وتحوُّلاتٍ ورافِعاتٍ للتغيير.... هَدَفُها تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع؛
فاعتمدتموها كمرجعيةٍ من مرجعياتِ برنامجكم الحكومي؛
لكن حكومتكم، رغم أنها تشتغل ولديها بعضُ النتائج، غيرَ أنها عموماً أخلَفَتِ الموعدَ مع الشروع في التفعيل الحقيقي لهذا النموذج التنموي الجديد.
ويا لَيْتَكم اسْـــــتَــــلْــهَـــمْـــــتُــــــمْ مقارباتِ تنفيذِ النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية.. وهو النموذج الذي اعتمد على رؤيةٍ ملكية تجاوَزَتِ المقارباتِ التنموية الكلاسيكية، وتعبأت لتنفيذها، منذُئِذِ، كلُّ الحكوماتُ والقطاعات والمؤسسات، من دونِ بُطءٍ ولا تَعَثُّرٍ، ومن دونِ أيِّ احتكارٍ سياسوي للمنجزات؛
لكنكم، عكسَ ذلك، تعاملتم مع النموذج التنموي الجديد، ذي النَّفَسِ الإصلاحي الوطني، كما لوْ أنه وثيقةٌ عادية... ولا زلتم تعتمدون على مؤشراتٍ ومعايير تقليدية لإقامة أيِّ مشروع عمومي في أيِّ إقليمٍ أو جهة، من قبيل الكثافة السكانية، والمردودية الربحية الفورية.... وهي المعايير التي تجاوَزها النموذجُ التنموي لأقاليمنا الجنوبية...... فَنَجح فيما أخْفَقْتُم فيه... حيثُ تركتُم تراكُماتِ المغربَ الذي يسيرُ بسرعتيْن على حالِها.... على أملِ أن نتجاوز هذا الوضع من خلال نموذج الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية، الذي دعا إلى اعتماده جلالةُ الملك.
السيد رئيس الحكومة؛
لو اعتمدنا هذه المعايير التقليدية مثلا الطريق الرابطة بين تزنيت والداخلة لما أنجزت هذه الطريق؛ لو اعتمدنا المؤشرات التي المتعلقة بالكثافة السكانية لما أنجزت هذه المشاريع في أقاليمنا الجنوبية.
بطبيعة الحال، قلتم السيد رئيس الحكومة، لا سيادة بدون تنمية، ونقول أيضا لا تنمية بدون إرادة وحكامة حقيقة.
السيد رئيس الحكومة؛
إنَّ بَلَدَنا يَدخلُ، اليوم، مرحَلةً جديدةً، بالموازاة مع الأفق المنظور لتفعيل الحُكم الذاتي في كَنَفِ السيادة المغربية؛
مرحلةٌ يجب أن نُحَضِّرَ لها الأجواءَ المناسبة، من خلال ما أكده جلالة الملك، من تحيينٍ وتفصيلٍ لمبادرة الحُكم الذاتي؛ ومن احتضانٍ لأخواتِنَا وإخوانِنَا الموجودين الآن في تندوف، على أساسِ أنَّ جميع المغاربة سواسية، لا فرق بين العائدين من مخيمات تندوف، وبين إخوانهم داخل أرض الوطن.
وإنها مرحلةٌ تستلزم ضَخَّ نَفَسٍ ديموقراطي جديد، من أجل الارتقاءِ بفضائنا السياسي العام، وبمكانةِ وأدوار مؤسساتِنا المنتخبة، والسَّيْــرِ بِـخُـطىً أكثرَ تقدُّماً في تفعيلِ الجهوية المتقدمة واللامركزية واللاتمركز؛ والاعتمادِ على انفراجٍ سياسي وحقوقي؛
كما يتعينُ الارتقاءُ بقدراتنا الاقتصادية الوطنية، وتحسين الحكامة الاقتصادية، والاعتماد على تظافُر الدور المحوري والمُنَمِّي للدولة مع أدوار المقاولات الوطنية، بما يُحَرِّرُ ويُفجر الطاقات والمبادرات، ويُحدِثُ النمو ومناصب الشغل، ويَخْلُقُ الخيرات، على أساس توزيعِها العادل اجتماعيا ومجاليا.
وإنَّنا، في التقدم والاشتراكية، لَواثِـقٌون في قُدرتنا الوطنية الجماعية على النجاح في رفع جميع هذه التحديات، وإجراء جيلٍ جديدٍ من الإصلاحات المتلائمة مع طبيعة هذه المرحلة، ومع طبيعة هذا التحوُّل التاريخي، المفصلي والمصيري، الذي نعيشه اليوم.