عبد الرحمن حداد: المغرب بصدد ترسيخ سلطة جهوية في منطقة الحكم الذاتي تمارس صلاحيات تقريرية وتنفيذية واسعة

عبد الرحمن حداد: المغرب بصدد ترسيخ سلطة جهوية في منطقة الحكم الذاتي تمارس صلاحيات تقريرية وتنفيذية واسعة عبد الرحمن حداد
تمثل‭ ‬مسألة‭ ‬الاختصاصات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬تمارسها‭ ‬جهة‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬المؤشر‭ ‬الأساسي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مؤشر‭ ‬التمثيلية‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬يمكن‭ ‬قياس‭ ‬فعلية‭ ‬الاستقلالية‭ ‬الواسعة‭ ‬والحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تتمتع‭ ‬بهما‭ ‬هذه‭ ‬الجهة‭.‬‭ ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬قراءة‭ ‬المقترح‭ ‬المغربي،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬وضعه‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬أبريل‭ ‬2007،‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬تحديد‭ ‬الاختصاصات‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬مادة‭ ‬واحدة،‭ ‬المادة‭ ‬12،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الأخرى‭ ‬لتلمس‭ ‬مساحة‭ ‬هذه‭ ‬الاختصاصات‭. ‬وبشكل‭ ‬عام‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬جهة‭ ‬الصحراء‭ ‬سيكون‭ ‬معترفا‭ ‬لها‭ ‬بممارسة‭ ‬اختصاصات‭ ‬تشريعية،‭ ‬واختصاصات‭ ‬إدارية،‭ ‬واختصاصات‭ ‬قضائية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اختصاصات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬والعلاقات‭ ‬الخارجية‭.‬
 
فعلى‭ ‬المستوى‭ ‬التشريعي،‭ ‬يمكن‭ ‬لبرلمان‭ ‬الجهة‭ ‬المنتخب‭ ‬تبني‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬الجوانب‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬والبيئية‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬الجهة‭. ‬كما‭ ‬يختص‭ ‬البرلمان‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬ميزانية‭ ‬الجهة‭ ‬ونظامها‭ ‬الجبائي‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بانتخاب‭ ‬مؤسسة‭ ‬تشريعية‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬بمسؤولية‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬عن‭ ‬تملك‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬وبرنامج‭ ‬تنموي‭ ‬يخص‭ ‬الجهة‭. ‬كما‭ ‬يختص‭ ‬برلمان‭ ‬الجهة‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬محاكم‭ ‬تتولى‭ ‬البت‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تنشأ‭ ‬عن‭ ‬تطبيق‭ ‬الضوابط‭ ‬التــي‭ ‬تضعها‭ ‬هيئات‭ ‬الجهة‭.‬
 
على‭ ‬المستوى‭ ‬الإداري،‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬تدبير‭ ‬الجهة‭ ‬إداريا‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المصالح‭ ‬الإدارية‭ ‬التقليدية،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬مقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬تمكين‭ ‬الجهة‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬محلية‭ ‬ورئيس‭ ‬حكومة‭ ‬منتخب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬برلمان‭ ‬الجهة‭ ‬وينصبه‭ ‬الملك‭ ‬عقب‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬يتمتع‭ ‬بمشروعيتين،‭ ‬نيابية‭ ‬وملكية‭. ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬تأخذ‭ ‬الاختصاصات‭ ‬الإدارية‭ ‬لجهة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬بعدين‭ ‬أساسيين:‭ ‬البعد‭ ‬الأول‭ ‬تنفيذي‭ ‬أو‭ ‬تنظيمي‭ ‬تأخذ‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الحكومة‭ ‬المحلية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقررات‭ ‬تنظيمية‭ ‬كل‭ ‬التدابير‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بتنفيذ‭ ‬القوانين‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬البرلمان‭ ‬الجهوي‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبتنزيل‭ ‬الاختصاصات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والبيئية‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬للجهة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬أما‭ ‬البعد‭ ‬الثاني‭ ‬فيتعلق‭ ‬بالتدبير‭ ‬الإداري‭ ‬التقليدي‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬المصالح‭ ‬الإدارية‭   ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية‭ ‬المحلية‭ ‬واتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬الشرطة‭ ‬الإدارية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معمول‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الوحدات‭ ‬المحلية‭ ‬المنتخبة‭. ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التصور،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬جهة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬ستتوفر‭ ‬على‭ ‬هيكل‭ ‬مؤسساتي‭ ‬إداري‭ ‬متكامل‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحيل‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬الضرورية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الباب،‭ ‬نص‭ ‬مقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬على‭ ‬اختصاص‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬الجهة‭ ‬في‭ ‬تعيين‭ ‬الموظفين‭ ‬الضروريين‭ ‬لتفعيل‭ ‬الاختصاصات‭ ‬التنفيذية‭ ‬للجهة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يعني‭ ‬ضرورة‭ ‬تبني‭ ‬إطار‭ ‬تنظيمي‭ ‬خاص‭ ‬بالموارد‭ ‬البشرية‭ ‬للجهة‭.‬
 
تمارس‭ ‬جهة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬أيضا‭ ‬اختصاصات‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬القضائي‭ ‬إذ‭ ‬يختص‭ ‬برلمان‭ ‬الجهة‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬محاكم‭ ‬تصدر‭ ‬أحكاما‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬الناشئة‭ ‬عن‭ ‬تطبيق‭ ‬التدابير‭ ‬التنظيمية‭ ‬التي‭ ‬تضعها‭ ‬مؤسسات‭ ‬الجهة‭ ‬والتي‭ ‬تقع‭ ‬ضمن‭ ‬اختصاصها‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬محكمة‭ ‬عليا‭ ‬جهوية‭ ‬تختص‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬تأويل‭ ‬القوانين‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬برلمان‭ ‬الجهة،‭ ‬وهو‭ ‬الاختصاص‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يمارس‭ ‬في‭ ‬احترام‭ ‬لاختصاص‭ ‬محكمة‭ ‬النقض‭ ‬والمحكمة‭ ‬الدستورية‭. ‬وتمثل‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة‭ ‬إضافة‭ ‬نوعية‭ ‬إلى‭ ‬التنظيم‭ ‬القضائي‭ ‬لجهة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬لها‭ ‬مثيلا‭ ‬في‭ ‬التجارب‭ ‬الدولية‭ ‬المقارنة‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬بالمجموعات‭ ‬المستقلة‭ ‬أو‭ ‬المتمتعة‭ ‬بالحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭ ‬أو‭ ‬إيطاليا‭.‬
 
لكن‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الاهتمام‭ ‬هو‭ ‬اعتراف‭ ‬مقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬لجهة‭ ‬الصحراء‭ ‬باختصاصات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تنصيص‭ ‬المقترح‭ ‬على‭ ‬الاختصاص‭ ‬الحصري‭ ‬للدولة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المقترح‭ ‬أقر‭ ‬للجهة‭ ‬بنوعين‭ ‬من‭ ‬الأدوار‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‭. ‬الدور‭ ‬الأول‭ ‬ذو‭ ‬طابع‭ ‬استشاري،‭ ‬تلتزم‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬بالتشاور‭ ‬مع‭ ‬جهة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬للصحراء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القضايا‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬المباشرة‭ ‬باختصاصات‭ ‬هذه‭ ‬الجهة‭.‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬احترام‭ ‬حقيقي‭ ‬للطابع‭ ‬الديمقراطي‭ ‬لمؤسسات‭ ‬الجهة‭ ‬وتفعيلا‭ ‬للنظام‭ ‬الخاص‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يشملها‭. ‬أما‭ ‬الدور‭ ‬الثاني‭ ‬فذو‭ ‬طبيعة‭ ‬تقريرية‭ ‬يسمح‭ ‬للجهة‭ ‬بتشاور‭ ‬مع‭ ‬الحكومة،‭ ‬بإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬شراكة‭ ‬مع‭ ‬جهات‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أجنبية‭ ‬بهـدف‭ ‬تطوير‭ ‬الحوار‭ ‬والتعاون‭ ‬معها‭.‬
 
يبقى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬اختصاص‭ ‬آخر‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التنصيص‭ ‬صراحة‭ ‬على‭ ‬تخويله‭ ‬لجهة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬فإنه‭ ‬يتم‭ ‬تحديد‭ ‬جهة‭ ‬الاختصاص،‭ ‬أي‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬الجهة،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬خاص‭ ‬بينهما،‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬مبدأ‭ ‬التفريع،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الأولوية‭ ‬ستكون‭ ‬للمجال‭ ‬الترابي‭ ‬الأكثر‭ ‬ملاءمة‭ ‬لممارسة‭ ‬الاختصاص‭ ‬المقصود‭.‬
 
في‭ ‬الأخير،‭ ‬وبالنظر‭ ‬لطبيعة‭ ‬وامتداد‭ ‬الاختصاصات‭ ‬المذكورة،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بمجرد‭ ‬إدارة‭ ‬ترابية‭ ‬منتخبة‭ ‬أو‭ ‬تدبير‭ ‬حر‭ ‬لمجال‭ ‬ترابي،‭ ‬بل‭ ‬إننا‭ ‬بصدد‭ ‬ترسيخ‭ ‬سلطة‭ ‬جهوية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬التي‭ ‬ستمارس‭ ‬صلاحيات‭ ‬تقريرية‭ ‬وتنفيذية‭ ‬واسعة‭ ‬لا‭ ‬يحدها‭ ‬إلا‭ ‬احترام‭ ‬رموز‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬وثوابت‭ ‬الأمة‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك‭ ‬التي‭ ‬حددها‭ ‬الدستور‭ ‬والتي‭ ‬تشكل‭ ‬إطار‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتحفظ‭ ‬لحمتها‭.‬
عبد الرحمن حداد، أستاذ باحث بجامعة مولاي إسماعيل، مكناس