الحكم الذاتي.. التلاشي التدريجي للانفصال

الحكم الذاتي.. التلاشي التدريجي للانفصال
شكل‭ ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬الأخير‭ ‬لـ‭ ‬(31‭ ‬أكتوبر‭ ‬2025)‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬النزاع‭ ‬الإقليمي‭ ‬حول‭ ‬الصحراء،‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬بوضوح‭ ‬انتصار‭ ‬المغرب‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬والسياسي‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية،‭ ‬كما‭ ‬أعاد‭ ‬ضبط‭ ‬إيقاع‭ ‬التحرك‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬جديدة:‭ ‬تجاوز‭ ‬مرحلة‭ ‬«إدارة‭ ‬النزاع»‭ ‬نحو‭ ‬مرحلة‭ ‬«تثبيت‭ ‬الحل»،‭ ‬وتعبئة‭ ‬الحلفاء‭ ‬الدوليين،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬الصديقة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إرغام‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬المغادرة‭ ‬السريعة‭ ‬«متلازمة‭ ‬الأنف»‭ ‬والقبول‭ ‬بالقرار‭ ‬الأممي،‭ ‬مع‭ ‬التحرك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عزل‭ ‬البوليساريو‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإفريقية،‭ ‬عبر‭ ‬منعها‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬القمم‭ ‬المشتركة‭ ‬واللقاءات‭ ‬مع‭ ‬الشركاء‭ ‬الدوليين،‭ ‬وفضح‭ ‬عدم‭ ‬شرعيتها‭ ‬القانونية‭ ‬أمام‭ ‬اللجان‭ ‬المختصة‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المرحلة‭ ‬«ما‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬رقم‭ ‬2797،‭ ‬الذي‭ ‬انتصر‭ ‬للشرعية‭ ‬المغربية‭ ‬وللحكم‭ ‬الذاتي»‭ ‬ستكون‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬تثبيت‭ ‬مكاسب‭ ‬المغرب‭ ‬وترسيخ‭ ‬موقعه‭ ‬بوصفه‭ ‬فاعلا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬الإحصاء‭ ‬الديمغرافي‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬والتحضير‭ ‬الدقيق‭ ‬للجمعية‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬سحب‭ ‬الإقليم‭ ‬من‭ ‬لائحة‭ ‬الأقاليم‭ ‬غير‭ ‬المتمتعة‭ ‬بالحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬على‭ ‬عزل‭ ‬الكيان‭ ‬الانفصالي‭ ‬تدريجيًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يختفي‭ ‬تماما‭ ‬من‭ ‬الواجهة‭.‬

والحق‭ ‬إنها‭ ‬ثلاث‭ ‬معارك‭ ‬متكاملة،‭ ‬تمثل‭ ‬أضلاع‭ ‬المثلث‭ ‬الجديد‭ ‬للدبلوماسية‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬عليه‭ ‬التحرك‭ ‬من‭ ‬أجل‭  ‬إغلاق‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬التباس‭ ‬قد‭ ‬تنسجه‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬«تثبيت‭ ‬الجمود»‭ ‬والدوران‭ ‬في‭ ‬جولات‭ ‬من‭ ‬التفاوض‭ ‬المغلق‭ ‬والرهان‭ ‬الدائم‭ ‬على‭ ‬الإخفاق‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬أصبح‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬من‭ ‬يحدد‭ ‬الإيقاع،‭ ‬ويبني‭ ‬التوازنات‭ ‬الجديدة،‭ ‬ويقود‭ ‬الحلول‭ ‬نحو‭ ‬الهدف‭ ‬النهائي:‭ ‬طي‭ ‬صفحة‭ ‬النزاع‭ ‬المفتعل‭ ‬نهائيا،‭ ‬وتثبيت‭ ‬مغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬الدولي‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬الوطني،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬إنجاح‭ ‬التنزيل‭ ‬الفعلي‭ ‬لمشروع‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬نقل‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬سكان‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬شؤونهم‭ ‬المحلية،‭ ‬ضمن‭ ‬احترام‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬ووحدة‭ ‬التراب‭ ‬المغربي،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حكامة‭ ‬جهوية‭ ‬متقدمة‭ ‬تزاوج‭ ‬بين‭ ‬الخصوصية‭ ‬المحلية‭ ‬والانتماء‭ ‬الوطني‭.‬
 
الهيكل‭ ‬التنظيمي‭ ‬لمنطقة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي
يشمل‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي:‭ ‬جهة‭ ‬العيون-‭ ‬الساقية‭ ‬الحمراء‭ ‬(تضم‭ ‬أقاليم‭ ‬العيون‭ ‬والسمارة‭ ‬وطرفاية‭ ‬وبوجدور)،‭ ‬وجهة‭ ‬الداخلة-‭ ‬وادي‭ ‬الذهب‭ ‬(تضم‭ ‬إقليمي‭ ‬الداخلة‭ ‬وأوسرد)،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬نحو‭ ‬260‭ ‬ألف‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭.  ‬أما‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬السكان،‭ ‬فتشير‭ ‬آخر‭ ‬الإحصاءات‭ ‬الرسمية‭ ‬والتقديرات‭ ‬الميدانية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬الأقاليم‭ ‬المشمولة‭ ‬بالحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬يبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬660‭ ‬ألف‭ ‬نسمة،‭ ‬حيث‭ ‬تحتل‭ ‬جهة‭ ‬العيون‭ ‬–‭ ‬الساقية‭ ‬الحمراء‭ ‬نحو‭ ‬405‭ ‬آلاف‭ ‬نسمة‭ ‬موزعين‭ ‬بين‭ ‬العيون‭ ‬260‭ ‬ألفاً،‭ ‬السمارة‭ ‬70‭ ‬ألفاً،‭ ‬بوجدور‭ ‬60‭ ‬ألفاً،‭ ‬وطرفاية‭ ‬15‭ ‬ألفاً،‭ ‬فيما‭ ‬يصل‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬جهة‭ ‬الداخلة‭ ‬–‭ ‬وادي‭ ‬الذهب‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬255‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭ ‬موزعين‭ ‬بين‭ ‬الداخلة‭ ‬210‭ ‬آلاف‭ ‬وأوسرد‭ ‬45‭ ‬ألفاً‭. ‬وباحتساب‭ ‬سكان‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يشملهم‭ ‬برنامج‭ ‬العودة‭ ‬الطوعية‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬والذين‭ ‬تُقدر‭ ‬أعدادهم‭ ‬بشكل‭ ‬واقعي‭ ‬بين‭ ‬100‭ ‬و120 ألف‭ ‬نسمة،‭ ‬يصل‭ ‬العدد‭ ‬الإجمالي‭ ‬للسكان‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬760‭ ‬ألف‭ ‬نسمة،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬ثلاثة‭ ‬أرباع‭ ‬المليون‭ ‬نسمة‭. ‬

ويسمح‭ ‬هذا‭ ‬التقدير‭ ‬الديموغرافي‭ ‬بإنشاء‭ ‬نظام‭ ‬انتخابي‭ ‬محلي‭ ‬متوازن‭ ‬يمثّل‭ ‬مختلف‭ ‬المكونات‭ ‬القبلية‭ ‬والمجالية،‭ ‬ويسهل‭ ‬إدماج‭ ‬العائدين‭ ‬من‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬كما‭ ‬يشكّل‭ ‬النواة‭ ‬الأولى‭ ‬لنموذج‭ ‬تنموي‭ ‬ذاتي‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬والصيد‭ ‬البحري‭ ‬والسياحة‭ ‬والموانئ‭ ‬الجديدة،‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬للمنطقة‭.‬

وتقترح‭ ‬خطاطة‭ ‬مشروع‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬مدينة‭ ‬العيون‭ ‬عاصمة‭ ‬إدارية‭ ‬ومقرا‭ ‬للبرلمان‭ ‬المحلي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مقر‭ ‬الحكومة‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الداخلة‭ ‬لأسباب‭ ‬رمزية‭ ‬وتنموية،‭ ‬فيما‭ ‬تبقى‭ ‬جميع‭ ‬الرموز‭ ‬السيادية‭ ‬للدولة‭ ‬موحدة‭ ‬ومركزية،‭ ‬إذ‭ ‬سيظل‭ ‬علم‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬وشعارها‭ ‬الوطني‭ ‬هما‭ ‬الرمزان‭ ‬الرسميان‭ ‬للجهة،‭ ‬مع‭ ‬إمكانية‭ ‬اعتماد‭ ‬علم‭ ‬محلي‭ ‬رمزي‭ ‬للاستعمال‭ ‬الداخلي‭ ‬فقط،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬محل‭ ‬العلم‭ ‬الوطني،‭ ‬فالمؤسسات‭ ‬والمباني‭ ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬ستظل‭ ‬مرفوعة‭ ‬عليها‭ ‬الراية‭ ‬المغربية‭. ‬وبالمثل،‭ ‬ستبقى‭ ‬العملة‭ ‬الوطنية‭ ‬«الدرهم»‭ ‬هي‭ ‬العملة‭ ‬القانونية‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالسياسة‭ ‬النقدية‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬بنك‭ ‬المغرب،‭ ‬فيما‭ ‬يمكن‭ ‬للحكومة‭ ‬المحلية‭ ‬ممارسة‭ ‬بعض‭ ‬الصلاحيات‭ ‬المالية‭ ‬والضريبية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الجهوي،‭ ‬مثل‭ ‬فرض‭ ‬ضرائب‭ ‬محلية‭ ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬تحفيزات‭ ‬للاستثمار‭. ‬أما‭ ‬بطاقة‭ ‬التعريف‭ ‬الوطنية‭ ‬وجواز‭ ‬السفر،‭ ‬فسيظلان‭ ‬موحدين‭ ‬ومغربيين‭ ‬بالكامل،‭ ‬يصدران‭ ‬عن‭ ‬الإدارة‭ ‬المركزية،‭ ‬وسيحتفظ‭ ‬سكان‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬بالمواطنة‭ ‬المغربية‭ ‬الكاملة‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تمييز‭ ‬قانوني،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يُنشئ‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬جنسية‭ ‬محلية‭ ‬بل‭ ‬يمنح‭ ‬هوية‭ ‬جهوية‭ ‬إدارية،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬العيون‭ ‬أو‭ ‬الداخلة‭ ‬يحمل‭ ‬نفس‭ ‬بطاقة‭ ‬التعريف‭ ‬والجواز‭ ‬الذي‭ ‬يحمله‭ ‬أي‭ ‬مواطن‭ ‬مغربي‭ ‬في‭ ‬باقي‭ ‬المدن‭ ‬والجهات‭.‬

وبخصوص‭ ‬السيادة‭ ‬والدفاع‭ ‬والعلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬فإن‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية‭ ‬ستبقى‭ ‬الذرع‭ ‬الحامي‭ ‬والمكلفة‭ ‬بحماية‭ ‬الحدود‭ ‬والمجال‭ ‬الترابي،‭ ‬وستظل‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬المغربية‭ ‬الجهة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المخوّلة‭ ‬تمثيل‭ ‬الصحراء‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬بينما‭ ‬يمكن‭ ‬لحكومة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬إنشاء‭ ‬ممثليات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وثقافية‭ ‬بالخارج‭ ‬للترويج‭ ‬للاستثمار‭ ‬والسياحة،‭ ‬بترخيص‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬وتحت‭ ‬إشرافها‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬تملك‭ ‬منطقة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬صلاحيات‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬مواردها‭ ‬المحلية،‭ ‬بما‭ ‬يشمل‭ ‬الثروات‭ ‬والضرائب‭ ‬والميزانيات‭ ‬الجهوية،‭ ‬ووضع‭ ‬تشريعات‭ ‬جهوية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التعليم‭ ‬والثقافة‭ ‬والتعمير‭ ‬والبيئة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬المحلي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬شرطة‭ ‬جهوية‭ ‬مدنية‭ ‬تتبع‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬الهيكلة‭ ‬العامة،‭ ‬وتطوير‭ ‬شراكات‭ ‬ثقافية‭ ‬واقتصادية‭ ‬خارجية‭ ‬بإشراف‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزية‭.  ‬كما‭ ‬تُمارس‭ ‬الحكومة‭ ‬المحلية‭ ‬صلاحياتها‭ ‬برئاسة‭ ‬رئيس‭ ‬منتخب‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬البرلمان‭ ‬الجهوي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعيَّن‭ ‬ممثل‭ ‬للدولة‭ ‬(مندوب‭ ‬المملكة/‭ ‬الوالي)،‭ ‬لضمان‭ ‬احترام‭ ‬الدستور‭ ‬ووحدة‭ ‬الدولة‭ ‬وتنسيق‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬الجهوية‭ ‬والمصالح‭ ‬الوطنية‭. ‬

ولتعزيز‭ ‬هذا‭ ‬التنسيق،‭ ‬يقترح‭ ‬المغرب‭ ‬إحداث‭ ‬مجلس‭ ‬مشترك‭ ‬يضم‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزية‭ ‬ومن‭ ‬حكومة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬يعنى‭ ‬بتتبع‭ ‬المشاريع‭ ‬الكبرى‭ ‬والقضايا‭ ‬المشتركة،‭ ‬وتُرفع‭ ‬تقاريره‭ ‬بانتظام‭ ‬إلى‭ ‬الملك‭ ‬و‭ ‬البرلمان‭ ‬المغربي‭.‬

معنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬والدولة‭ ‬المركزية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬مزدوج‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الوحدة‭ ‬السيادية‭ ‬والاستقلال‭ ‬في‭ ‬التدبير‭. ‬فالمغرب‭ ‬يظل‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭ ‬لا‭ ‬تتجزأ،‭ ‬وتبقى‭ ‬جميع‭ ‬مؤسسات‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬خاضعة‭ ‬للدستور‭ ‬المغربي‭ ‬ورموزه‭ ‬الوطنية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يُمنح‭ ‬سكان‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬شؤونهم‭ ‬بأنفسهم‭ ‬ضمن‭ ‬مؤسسات‭ ‬منتخبة‭ ‬ديمقراطيا‭.‬
 
عراقيل‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشروع‭ ‬
ومهما‭ ‬يكن،‭ ‬وكما‭ ‬ألمحنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬سابقا،‭ ‬فالمقترح‭ ‬المغربي،‭ ‬رغم‭ ‬قوته‭ ‬الواقعية‭ ‬واعتراف‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بجديته‭ ‬ومصداقيته‭ ‬وتصويت‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬على‭ ‬القرار،‭ ‬بالإمكان‭ ‬أن‭ ‬يصطدم‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تبطئ‭ ‬من‭ ‬وتيرة‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬التنفيذ‭ ‬العاجل‭ ‬لخطوات‭ ‬المقترح:
أولا‭:‬ ‬الموقف‭ ‬الجزائري‭ ‬الرافض‭ ‬للانخراط‭ ‬في‭ ‬منطق‭ ‬الحل‭ ‬السياسي،‭ ‬والمتشبث‭ ‬بخيار‭ ‬الاستفتاء‭ ‬الذي‭ ‬تجاوزه‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬الدائم‭ ‬الذي‭ ‬يقوض‭ ‬إمكانية‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭.‬
 
ثانيا‭:‬ ‬الرفض‭ ‬المعلن‭ ‬من‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬لقرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الأخير‭ ‬الداعي‭ ‬إلى‭ ‬استئناف‭ ‬المفاوضات‭ ‬وفق‭ ‬منطق‭ ‬«الواقعية‭ ‬والتوافق»‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرفض‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عزلتها‭ ‬الدولية‭ ‬وتفككها‭ ‬الداخلي،‭ ‬كما‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تهديد‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬بفسح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬والإجرامية‭.‬
 
ثالثا:‭‬‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬رغم‭ ‬دعمها‭ ‬المبدئي‭ ‬للمبادرة‭ ‬المغربية،‭ ‬تفضل‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬توازناتها‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭. ‬
 
رابعا‭:‬‭‬ أثناء‭ ‬التنزيل،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬بعض‭ ‬العراقيل‭ ‬الدستورية‭ ‬والمؤسساتية،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعداد‭ ‬بنية‭ ‬دستورية‭ ‬وقانونية‭ ‬دقيقة‭ ‬تنظم‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬المحلية‭ ‬والدولة‭ ‬المركزية،‭ ‬وتوزيع‭ ‬الصلاحيات‭ ‬المالية‭ ‬والإدارية،‭ ‬وتحديد‭ ‬طرق‭ ‬تمثيل‭ ‬الجهة‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬الوطني‭. ‬
 
خامسا‭:‬ تنزيل‭ ‬المقترح‭ ‬يتطلب‭ ‬تكوين‭ ‬نخب‭ ‬محلية‭ ‬مؤهلة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬بكفاءة،‭ ‬دون‭ ‬الانزلاق‭ ‬نحو‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬النخب‭ ‬نفسها‭ ‬المستفيدة‭ ‬من‭ ‬النزاع‭ ‬وشبكات‭ ‬الريع‭.‬
 
سادسا‭:‬ لابد‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬نموذج‭ ‬تنموي‭ ‬متين‭ ‬خاص‭ ‬بمنطقة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬بالصحراء،‭ ‬بقوم‭ ‬على‭ ‬التوزيع‭ ‬العادل‭ ‬للثروة‭ ‬وفرص‭ ‬الشغل،‭ ‬ويحول‭ ‬الصحراء‭ ‬إلى‭ ‬قطب‭ ‬استثماري‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬والصيد‭ ‬البحري‭ ‬واللوجستيك‭ ‬والسياحة‭. ‬
 
سابعا‭ :‬العمل‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬توازن‭ ‬محلي‭ ‬مرحلي‭ ‬للقطع‭ ‬مع‭ ‬التوترات‭ ‬القبلية،‭ ‬وضمان‭ ‬المشاركة‭ ‬السياسية‭ ‬المتساوية‭ ‬لكل‭ ‬المكونات‭.‬
 
ثامنا‭:‬‭‬ نجاح‭ ‬المشروع‭ ‬مرهون‭ ‬بقدرة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬كسب‭ ‬معركة‭ ‬الخطاب‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭ ‬وخارجها،‭ ‬وإقناع‭ ‬العالم‭ ‬بأن‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬نضج‭ ‬سياسي‭ ‬وخيار‭ ‬نهائي‭ ‬لبناء‭ ‬سلام‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭.‬
البدائل‭ ‬المطروحة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬رفض‭ ‬البوليساريو
‭ ‬
عبرت‭ ‬الجزائر‭ ‬عن‭ ‬الرفض‭ ‬القاطع‭ ‬لقرار  ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬وتعنتها‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬الواقعي،‭ ‬مما‭ ‬يفرض‭ ‬إضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬الإلزامي‭ ‬التدريجي‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬المداولات‭ ‬والقرارات‭ ‬الأممية،‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات،‭ ‬يتمثل‭ ‬أولها‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬تصنيف‭ ‬البوليساريو‭  ‬في‭ ‬خانة‭ ‬«الجماعات‭ ‬الإرهابية» (خاصة‭ ‬بعد‭ ‬تزايد‭ ‬التقارير‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬عناصرها‭ ‬وبعض‭ ‬شبكات‭ ‬التهريب‭ ‬والتنظيمات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الساحل)،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬الكيانات‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬لرفضها‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬تفاوضي‭ ‬أممي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيقود‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬عزلة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬خانقة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحولات‭ ‬الجارية‭ ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬وتزايد‭ ‬عدد‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬سحبت‭ ‬اعترافها‭ ‬بـ‭ ‬«الجمهورية‭ ‬الوهمية»‭. ‬أما‭ ‬ثاني‭ ‬الإجراءات،‭ ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬المغرب‭ ‬بفرض‭ ‬نموذج‭ ‬«الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬بحكم‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع»،‭ ‬أي‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬تنزيل‭ ‬المشروع‭ ‬داخل‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬انتظار‭ ‬موافقة‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬مما‭ ‬يضع‭ ‬البوليساريو‭ ‬أمام‭ ‬معادلة‭ ‬صعبة:‭ ‬إما‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬السياسي‭ ‬الأممي‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬وإما‭ ‬التلاشي‭ ‬التدريجي‭ ‬بقوة‭ ‬الواقع‭.‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"
رابط العدد هنا