يبدو أن النمل قد سبق الإنسان في تطبيق مبدأ “التباعد الاجتماعي”، إذ كشفت دراسة علمية حديثة أن هذه الحشرات الصغيرة تمتلك آليات غريزية تحمي بها مستعمراتها من تفشي الأمراض والأوبئة، من خلال تعديل هندسة أعشاشها وسلوكها الجماعي بطريقة ذكية تشبه إلى حد كبير ما قام به البشر خلال جائحة كورونا.
فبينما لجأ الإنسان إلى بناء الحواجز والتباعد في أماكن العمل والتعليم والمواصلات، أثبت باحثون من جامعة بريستول البريطانية أن النمل، عند تعرضه لأي عدوى فطرية، يعيد تصميم أعشاشه لتصبح أكثر اتساعًا وتنظيمًا، ويجعل مداخلها ومخارجها متباعدة، مع تقليل الممرات المباشرة بين الغرف للحد من انتقال العدوى داخل المستعمرة.
وأوضح الباحث لوك ليكي أن هذه هي المرة الأولى التي يثبت فيها أن كائنات غير بشرية تُجري تعديلات هندسية على بيئتها بهدف الوقاية من المرض، مضيفًا أن النمل لا يتبع هذا السلوك إلا عند ظهور تهديد صحي، إذ يجمع بين بناء الأعشاش بطريقة تضمن التواصل وبين الحفاظ على مسافات آمنة.
وقد أظهرت تجارب المحاكاة ثلاثية الأبعاد أن التعديلات التي يجريها النمل المصاب تقلل فعلاً من انتشار العدوى بين أفراد المستعمرة. كما تبين أن النمل المصاب يعزل نفسه طوعًا، في سلوك يهدف لحماية باقي الأفراد.
من جانبها، أكدت الباحثة ناتالي سترويمايت أن النمل يطبق “التباعد الاجتماعي” كآلية دفاعية فطرية، إذ يعيد تنظيم هيكله الاجتماعي خلال ساعات قليلة من ظهور المرض، مانعًا وصول العدوى إلى الملكة أو اليرقات، وهو ما يضمن بقاء المستعمرة واستمراريتها.
هكذا يثبت النمل، مرة أخرى، أنه ليس فقط مثالًا في التنظيم والعمل الجماعي، بل أيضًا في إدارة الأزمات الصحية، تمامًا كما يفعل الإنسان في أوقات الجائحة.