يستعد مجلس الأمن الدولي خلال الأيام المقبلة لاعتماد قرار جديد بشأن الصحراء المغربية، في لحظةٍ لم تعد فيها الحقائق تحتمل التأويل. فالوحدة الترابية للمملكة باتت واقعًا راسخًا على الأرض، يترجمه أبناء الصحراء في حياتهم اليومية، في مدارسهم ومؤسساتهم ومشاريعهم التنموية الممتدة من العيون إلى الداخلة.
اليوم، لم تعد قضية الصحراء نزاعًا “مجمّدًا”، بل نموذجًا في الاندماج الوطني والتنمية الجهوية. فالمغرب استثمر في أقاليمه الجنوبية بإرادة واضحة جعلت منها فضاءً اقتصاديًا واعدًا وبوابة نحو إفريقيا. مشاريع الطاقات المتجددة، الطرق والموانئ الكبرى، والمناطق الصناعية في الداخلة والعيون تؤكد أن مغربية الصحراء ليست شعارًا سياسيًا، بل مشروع دولةٍ وشعبٍ يرسخ حضوره بالعمل لا بالجدل.
في المقابل، ما زالت جبهة البوليساريو متمسكة بخطابٍ تجاوزه الزمن، ترفع شعاراتٍ تعود إلى سبعينيات القرن الماضي دون أن تعترف بتحولات الواقع. وتستمر في الترويج لخيار “الاستفتاء” الذي أثبتت التجربة الأممية استحالته. فالأمم المتحدة نفسها، وبعد أزيد من عقد من الجهود، أدركت أن تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء غير ممكن عمليًا ولا قانونيًا، بسبب استحالة تحديد من يحق لهم التصويت.
المعايير الخمسة التي وُضعت لتحديد “الناخبين” اعتمدت على الانتماء القبلي والعائلي، وهو ما جعل المهمة شبه مستحيلة. فالصحراويون، بطبيعتهم، يشكّلون نسيجًا اجتماعيًا مترابطًا؛ فهم موجودون في الأقاليم الجنوبية للمملكة، ولهم امتدادات بشرية في مدن الشمال المغربي، كما تمتد الروابط القبلية والعائلية إلى شمال موريتانيا وجنوب الجزائر.
فهل يُعقل، بهذا المنطق، أن يُستفتى جميع هؤلاء، أينما وُجدوا جغرافيًا، لتحديد ما إذا كانوا مغاربة أم موريتانيين أم جزائريين؟! إن هذا الطرح يتناقض مع المنطق والواقع معًا، وهو ما جعل الأمم المتحدة تقتنع بأن خيار الاستفتاء متجاوزٌ وغير قابل للتطبيق، وأن الحل يجب أن يكون سياسيًا وواقعيًا.
اليوم، يحظى مقترح الحكم الذاتي المغربي بدعمٍ دولي واسع باعتباره الإطار الوحيد القابل للحياة. فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا وغيرهما دعمهم الصريح لهذا التصور، إلى جانب أكثر من 120 دولة من مختلف القارات تعتبره مبادرة جادة وذات مصداقية لتحقيق تسويةٍ دائمة تحت السيادة المغربية. هذا الزخم الدبلوماسي يعكس اقتناعًا متزايدًا بأن الاستقرار الإقليمي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر حلٍّ عملي يحترم وحدة التراب المغربي ويُنهي معاناة سكان المخيمات بتندوف.
إن الشرعية تُقاس بمن يخدم الإنسان ويضمن الأمن ويصنع التنمية، لا بمن يرفع الشعارات أو يستثمر في الأوهام. والمغرب، بواقعه الميداني وإنجازاته في الأقاليم الجنوبية، هو من يمتلك تلك الشرعية، بشهادة الواقع قبل أي قرارٍ أممي.
القرار المرتقب من مجلس الأمن لن يكون مجرّد وثيقة تقنية، بل تأكيدًا على التحول العميق في نظرة المجتمع الدولي إلى قضية الصحراء. فاليوم، أصبحت مغربية الصحراء حقيقة سياسية وميدانية ودبلوماسية راسخة، يصعب تجاهلها أو القفز عليها.
لقد تجاوز العالم مرحلة الشعارات، ودخل مرحلة الاعتراف بالمنطق والمصلحة والاستقرار. أما نحن الصحراويين الوحدويين، فنعيش هذه الحقيقة كل يوم — في أرضنا، في مؤسساتنا، وفي وطنٍ نعرف جيدًا أين يبدأ، وأين لا ينتهي.
محمد عبدالله بكار
فاعل سياسي- الداخلة.