خمسون سنة تمر على حدث المسيرة الخضراء المجيدة، ذلك الحدث التاريخي الذي جسد عبقرية ملك وشعب في استرجاع الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية بالوسائل السلمية، ووحد الأمة حول قضية عادلة، غير أن سنة 1975، التي حملت إلى المغرب بشائر الوحدة والسيادة، كانت أيضا سنة قاسية على جزء من أبناء الصحراء الذين وجدوا أنفسهم ضحية حسابات سياسية ضيقة، بعد أن تم نقلهم قسرا إلى مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري.
هؤلاء الأطفال الذين ولدوا مع بزوغ فجر المسيرة الخضراء، أصبحوا اليوم في الخمسين من عمرهم، جيل كامل ولد على أمل الوحدة، لكنه عاش نصف قرن في العزلة والإحتجاز، محروما من أبسط حقوقه الإنسانية: حرية التنقل، وحق العودة، والعيش في كنف وطنه الأم.
لقد تحولت مخيمات تندوف إلى ما يشبه “ثقبا أسود” لحقوق الإنسان، حيث يعيش آلاف المغاربة الصحراويين دون هوية قانونية واضحة، في وضع استثنائي لا مثيل له في العالم.
لا يمكن لأي ضمير إنساني أن يقبل استمرار مأساة هذا الجيل.
فالإحتجاز الذي فرض عليهم منذ الطفولة جريمة في حق الإنسانية، ومسؤولية قانونية وأخلاقية تقع على عاتق النظام العسكري الجزائري، الذي يحتضن ويسلح ويوجه ميليشيات “البوليساريو”، ويمنع في الوقت ذاته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من إجراء إحصاء حقيقي للمحتجزين.
لقد أصبح واضحا أن قضية الصحراء تستعمل داخل الجزائر كورقة سياسية ودعائية لإطالة عمر نظام يعيش على افتعال الأزمات الخارجية، بدل مواجهة أزماته الداخلية المتراكمة.
لقد أظهر التاريخ أن النظام العسكري الجزائري لم يجن من عدائه للمغرب سوى العزلة والتدهور الداخلي.
فبدل أن يوجه ثروات البلاد لبناء المدارس والمستشفيات وتوفير فرص الشغل لشبابه، اختار أن يصرف المليارات على حملات دعائية ودعم ميليشيات انفصالية لا تمثل إلا نفسها.
النظام الذي يقمع حرية الصحافة والمعارضة في الداخل، لا يمكن أن يكون صادقا في دفاعه المزعوم عن “حق تقرير المصير” في الخارج، وما مأساة مواليد 1975 المحتجزين في تندوف إلا انعكاس صارخ لسياسات قائمة على القهر والتضليل، حيث يستغل الإنسان كأداة لخدمة أجندة عسكرية مغلقة.
على النظام العسكري الجزائري أن يتوقف عن البحث في غير الممكن، فصفحات التاريخ ناطقة وملامح الواقع لا تنكر.
ويجب الوقوف كذلك على أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين، جعل من الإنسان المغربي محور كل السياسات العمومية، مؤمنا بأن التنمية الحقيقية لا تقاس بالمشاريع المادية فحسب، بل بكرامة المواطن وحقه في العيش بحرية وأمن.
وقد شملت الرعاية الملكية السامية أبناء الأقاليم الجنوبية للمملكة بمبادرات تنموية غير مسبوقة، جعلت من الصحراء المغربية نموذجا في الإستثمار والبنية التحتية والإدماج الوطني.
وفي كل خطاب من خطابات جلالته، تتجدد الدعوة الصريحة إلى طي صفحة الإنقسام وفتح أبواب العودة لأبناء الوطن المحتجزين في تندوف، مؤكدا أن المغرب سيظل بلد السلام والوحدة، وأن وطنهم ينتظرهم بالأمل والمصالحة والكرامة.
هكذا تتواصل المسيرة الخضراء بروح جديدة تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، مسيرة عنوانها التنمية، وغايتها الحرية والكرامة لكل المغاربة دون استثناء.
واليوم، وبعد مرور نصف قرن على المسيرة الخضراء، صار لزاما على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية أن تتحمل مسؤولياتها، وأن تفتح تحقيقا شفافا في الإنتهاكات الخطيرة التي ارتكبت في مخيمات تندوف، وأن تفرض تمكين السكان من حقهم في العودة الطوعية إلى وطنهم.
جيل 1975 هو جيل الأمل والوحدة، وليس جيل التيه والإحتجاز.
هؤلاء يستحقون أن يعيشوا في كنف وطنهم المغرب، بين أهلهم، كما أراد الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه، يوم أطلق المسيرة السلمية إلى الصحراء المغربية.
إن قضية مواليد 1975، أبناء المسيرة الخضراء الذين قضوا زهرة عمرهم في مخيمات تندوف، ليست مجرد ملف سياسي، بل هي جرح إنساني غائر في الضمير المغاربي والعربي. خمسون سنة من الإنتظار كافية ليعود الحق إلى أصحابه، ولتسقط كل الأقنعة التي غطت على الحقيقة.
لقد آن الأوان أن ينتهي زمن الإستغلال والإحتجاز، وأن تفتح أبواب العودة أمام كل من اشتاق لتراب وطنه. فالمغرب، كما كان دائما، يمد يده لأبنائه جميعا، مؤمنا بأن الوطن يتسع للجميع، وأن الكرامة لا تتحقق إلا في ظل الوحدة والسيادة والحرية.
وليكن هذا النداء صرخة في وجه الظلم، ورسالة إلى الضمائر الحية: أفرجوا عن أبناء المسيرة الخضراء، فقد طال ليلهم، وحان فجر العودة.
فبعد خمسين عاما من الإحتجاز القسري من طرف النظام العسكري الجزائري، المطلوب من المنظمات الحقوقية الدولية أن تساعد المحتجزين في مخيمات تندوف على العودة الطوعية لوطنهم والحياة بكرامة ومطالبة النظام العسكري الجزائري بتعويضهم، ورفع شكاوى للأمم المتحدة مع تفعيل الضغط الدولي لإجباره على احترام التاريخ والواقع وضمان حقوقهم الإنسانية المشروعة.