أريري: كيف أنقذت العناية الإلهية مدينة تاونات!

أريري: كيف أنقذت العناية الإلهية مدينة تاونات! التجارة والخدمات البسيطة هي دينامو اقتصاد مدينة تاونات.. عبد الرحيم أريري عند الحلاق حسن العبادي
الحمد لله أن القدر اصطف مع مدينة تاونات ضد المشرع.
الحمد لله أن القدر نسف كل توقعات المشرع بخصوص مدينة تاونات.
فلو لم "يتدخل القدر"، لكانت تاونات اليوم تعيش فوق صفيح ساخن، علما أن المدينة أصلا تصنف في خانة المدن المنكوبة (ville déprimée).
 
ذلك أن المخططين بالمركز، رسموا مستقبلا ورديا لمدينة تاونات، بتوقعهم أن تحتضن تاونات البلدية مامجموعه 58.932 نسمة بحلول سنة 2024. بل حتى في السيناريو الأكثر تشاؤما كان المخطط المركزي بالرباط يتوقع أن تصل ساكنة مدينة تاونات إلى 53.463 نسمة. لكن النتائج الرسمية للإحصاء العام للسكان لسنة 2024، عرت هاته الإسقاطات، وبينت أن سكان مدينة تاونات وصل عددهم بالكاد إلى 39.114 نسمة، بل كشف الإحصاء الرسمي أن تاونات شهدت تراجعا في عدد السكان (فقدت المدينة 4 % من سكانها مقارنة مع إحصاء 2014!). بمعنى أن الفارق بين الإحصاء الرسمي والإسقاطات الوردية المتوقعة هو 19.818 نسمة، أي ما يمثل 50 % من العدد الحقيقي الذي يسكن اليوم بالمدينة.
 
وحين حمدنا الله لكون القدر اصطف مع عاصمة "التين" وعاصمة "العيطة الجبلية"، فلأن تاونات تصنف في خانة الأقاليم الأكثر معاناة مع الفقر متعدد الأبعاد، والذي تصل نسبته إلى 23،4 % ، بينما المعدل بأقاليم جهة فاس لا يتجاوز 9،6 %.
 
لنتخيل (نقول لنتخيل فقط)، لو أن اليوم قارب عدد سكان مدينة تاونات 59 ألف نسمة كما خطط لذلك "مالين الرباط"، أين سيسكن هؤلاء؟ وأين سيعملون؟ وأين هي المرافق العمومية ذات الطابع الاجتماعي الملح (تعليم، صحة، جمع النفايات، ماء شروب، تطهير، إلخ..).
 
إليكم مؤشران اثنان فقط على خطورة ما تعيشه تاونات:
 
المؤشر الأول: يرتبط بالسكن، ففي عام 2009 حدد البحث حول السكن أن مدينة تاونات تحتاج إلى توفير 5887 وحدة سكنية جديدة بحلول 2024، ووجوب فتح 110 هكتارات في وجه التعمير.
المفارقة أن مؤسسة العمران (الذراع العمراني والتعميري الرسمي للدولة التي تتوفر على كل الموارد الدستورية والقانونية والتنظيمية والرمزية لتتفيذ السياسة العمومية)، فشلت في أن تطأ أقدامها تراب تاونات بسبب مشاكل العقار وتعقد الوعاء العقاري وتعدده (جماعات سلالية، أوقاف، غابوي، عقارات غير محفظة، إلخ....)، فأحرى أن تفتح تاونات شهية الخواص ليحجوا فرادى وجماعات للاستثمار في الإنعاش العقاري بالمدينة. أضف إلى ذلك أن بلدية تاونات لم ترخص طوال خمس سنوات سوى لحوالي 10 تجزئات سكنية صغيرة الحجم تضم مجتمعة 544 وحدة سكنية (أي بمعدل 108 وحدة سكنية في السنة !). وهذا العدد لا يلبي حتى الطلب العادي، فأحرى أن يستجيب لشروط امتصاص العجز السكني المتراكم منذ سنوات، أو مصاحبة السياسة العمومية في إعادة تأهيل الأحياء العشوائية التي تمططت بضواحي المدينة.
 
المؤشر الثاني: يرتبط بحاجة مدينة تاونات بالضرورة إلى خلق مابين 150 و160 منصب شغل جديد كل عام خلال العقد الماضي، لتلبية حاجة الوافدين الجدد على سوق الشغل. وهذا ما فشلت فيه المدينة منذ سنوات التي تعرف أعلى نسبة بطالة في صفوف الشباب (18%) وسط ساكنة لا تتجاوز حاليا 39.200 نسمة، فما بالنا لو كان سكان تاونات هو 58.000 نسمة؟!
 
هذا ما جعل تاونات تعيش وضعا نشازا وأفظع من باقي مدن المغرب. إذ رغم المؤهلات الاقتصادية الكبرى المتوفرة بالإقليم، فإن مدينة تاونات لم تفلح في أن تكون عاصمة إقليمية تجر قطار التنمية بالشريط الجبلي وتضخ الزيت في كافة محركات الاقتصاد الإقليمي بما يخلق الثروة وينعش الدورة الاقتصادية.
 
تاونات "الراقدة" على كنز اقتصادي هائل وعلى مؤهلات سياحية هائلة ( غابات، بحيرات، سدود، كهوف، قلاع ومآثر تاريخية، جبال غنية بالوحيش لممارسة القنص ...)، وورشات للصناعة الغذائية بدون قيمة مضافة وعاجزة عن تثمين زيت الزيتون، تحولت إلى مدينة تشبه المياومين، أي تعيش "يوما بيوم" و" كل نهار ورزقو".
 
فإذا أسقطنا ما توفره الدولة من مناصب شغل بالقطاع العام بالمدينة في العمالة والجماعة والتعليم والصحة والأمن والدرك والمخازنية وباقي المصالح العمومية (وعددها مجتمعة لا يتجاوز 2000 منصبا)، نجد أن التجارة البسيطة هي المحرك الرئيسي للتشغيل بتاونات، وهذه التجارة البسيطة هي الدينامو الأول في الاقتصاد الحضري.
 
فعدد الوحدات التجارية العادية بمدينة تاونات (بائع الدجاج، خضار، جزار، غسل السيارات، إصلاح الدراجات، بائع التجهيزات المنزلية، بائع الملابس، إلخ...)، يقارب 1000محل توظف ما مجموعه حوالي 1600 فرد، يضاف إليهم حوالي 600 فرد يشتغلون في الحرف (زليج، مطالة، صباغة، كهرباء...). أما إذا أضفنا العاملين في الخدمات (حلاق، محل انترنيت، بيع الوقود، مقاهي، سناك...) فالعدد هو 1600 فردا تقريبا.
 
فكيف لمدينة تعد عاصمة إقليم يزخر بالمؤهلات السياحية وحاضن لثروة فلاحية مهمة (زيتون وتين)، وغني بالمهرجانات الثقافية المرتبطة بموروث جبالة اللامادي، أن تنهض لتحقق الإقلاع، في الوقت الذي حكم عليها "مالين الرباط"، وحكمت عليها السياسات العمومية ب"الموت السريري"، ورهنت اقتصادها وشرط وجودها ببضع محلات تجارية وخدماتية لا تسد حتى رمق العاملين فيها فأحرى أن تخلف فائض الثروة لينعم بها الجميع؟
 
الكرة في ملعب الحكومة وفي ملعب جهة فاس للبرهنة على جدية خطاب الإنصاف المجالي ورد الاعتبار لمدن الشريط الجبلي.