أحمد نورالدين: تقرير غوتريش حول الصحراء المغربية يغرد خارج الإجماع الدولي

أحمد نورالدين: تقرير غوتريش حول الصحراء المغربية يغرد خارج الإجماع الدولي أحمد نورالدين

تعليقاً على ما ورد في تقرير الأمين العام أنطونيو غوتيريش، أود أن أسجل أن رأيي لم يتغير في تقاريره منذ وصوله إلى منصبه على رأس المنظمة الدولية، فهي تقارير حمالة أوجه تقول الشيء ونقيضه، بل فيها بعض الفقرات وكأنها كتبت في زمن غير الزمن الذي نعيش فيه هذا المنعطف التاريخي في مواقف دول العالم المؤيدة للموقف المغربي من خلال مقترح الحكم الذاتي.

والغريب فعلاً أن التقرير يتناقض حتى مع مسودة القرار التي تم تسريبها والتي تتحدث عن تنديد ثلاثة أشهر فقط للمنورسو، واحتمال إنهاء مهامها إذا لم يتم التوصل إلى حل، وهذا ما يتماشى مع أجل الستين يوماً الذي أعلن عنه مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط السيد ستيف ويتكوف.

وعلى سبيل المثال، وإن كان غوتيريش يشيد بالدينامية العالمية لإيجاد الحل السياسي ودعم الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب، إلا أنه حين يتحدث عن العقبات والعراقيل لا يسمي الجزائر، علماً أنها البلد الوحيد في العالم الذي يعرقل الحل النهائي بعد أن تخلت عنها حتى روسيا في التصريح الأخير لسيرغي لافروف الذي وصف الحكم الذاتي بأنه "شكل من أشكال تقرير المصير"، وهذا ما يؤكده القانون الدولي. ثم حين يتحدث عن المواقف الأوروبية، لا يظهر الاعتراف الفرنسي الصريح بمغربية الصحراء، ولا الموقف الإسباني الداعم أيضاً للمقترح المغربي، ولا باقي المواقف الأوروبية، بل يلجأ إلى عبارات فضفاضة.

ولكن في المقابل، بالنسبة للمواقف الأوروبية، نجده يركز على قرار محكمة العدل الأوروبية ولا يعير اهتماماً نهائياً لموقف المفوضية الأوروبية التي وقعت اتفاقاً مع المغرب يشمل الأقاليم الجنوبية، وهو موقف سياسي منحاز للجزائر والجبهة الانفصالية. طبعاً نحن نعلم أن التقرير يكتبه ستافان ديمستورا الذي طالبتنا الخارجية المغربية بأن يُعلن غير مرغوب فيه من أجل إقالته، وهذا من حقنا نظراً للأخطاء المهنية والقانونية والسياسية التي ارتكبها، وأحيلكم على مقالاتي في هذا الموضوع. ثم نحن نعلم أن التقرير تساهم في كتابته أيضاً البيروقراطية الأممية التي هي عرضة للرشوة والفساد بالبترودولار الجزائري أو لضغوط جهات نافذة تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه. بالنسبة لديمستورا مثلاً، كان أول من أضاف مصطلح "الحقيقي" بالنسبة للحكم الذاتي، وهو مصطلح غير بريء ويحمل موقفاً منحازاً، ليس من حق المبعوث الشخصي بوصفه مجرد مُسهّل للمفاوضات أن يتخذه، وقد حذرنا ونبهنا الخارجية المغربية من ذلك في حينه، وها نحن نرى هذا المصطلح يؤكده غوتيريش ويثبته في تقريره الأخير "الحكم الذاتي الحقيقي".

وحين يتحدث عن خرق وقف إطلاق النار من طرف الميليشيات الانفصالية شرق الجدار، يتحدث عن أنها مزاعم غير مؤكدة، ولا يشير أبداً إلى البيانات الرسمية التي أصدرتها الجبهة الانفصالية والتي تعلن تحللها من مسلسل التسوية وعودتها إلى حمل السلاح منذ 2020، تاريخ تطهير المغرب لمعبر الكركرات الذي كانت قد أغلقته الميليشيات الإرهابية "البوليساريو" بشكل نهائي في أكتوبر من تلك السنة بعد تكرار إغلاقه من تلك الميليشيات بشكل جزئي ومؤقت منذ 2017 دون أن تحرك الأمم المتحدة ساكناً. وفي مكان آخر، حين يتحدث عن قذائف وصواريخ سقطت على بعد 200 متر فقط من موقع المنورسو في السمارة، لا يصف ذلك بالعمل الإرهابي، بل يتحدث عن مراسلتين مع الجبهة وكأنها جهة ذات سيادة وليست مجرد حركة مسلحة قامت بأعمال تستحق الإدانة.

كما أنه حين يتحدث عن المخيمات واللاجئين وعن الجوع ونقص التغذية الحاد، يشكر الجزائر على دعمها للاجئين عوض أن يدينها بعرقلة إجراء الإحصاء الذي ينص عليه القانون الدولي وتشير إليه التقارير والقرارات الأممية، ولا يدين تفويض صلاحيات الدولة الجزائرية في المحاكم والقضاء والشرطة وباقي الخدمات للميليشيات التي تتحكم في مصير اللاجئين المدنيين ضداً على القانون الدولي واتفاقية جنيف 1951، التي تحمل الدولة المضيفة أي الجزائر مسؤولية المخيمات. ولا يدين التقرير سيطرة الميليشيات على المخيمات رغم أن القانون الدولي يمنع وجود المسلحين داخل المخيمات، فما بالك بأن يسيطروا ويفرضوا قانون الميليشيات على اللاجئين المدنيين؟! كل ما يهم السيد غوتيريش ومن كتب له التقرير هو أن يحتج على المغرب لأنه يفرض لوحات مغربية في ترقيم عربات وسيارات "المنورسو"، وكأنّ كل المشاكل والمجاعة والمفاوضات تم حلها، وبقيت فقط لوحات الترقيم هي المشكلة.

خلاصة الأمر، التقرير لا يتماشى مع تطورات القضية المغربية، ويحاول أن يفرض نوعاً من الموازاة الشكلية بين المملكة المغربية وحركة انفصالية لا وزن لها، ولا قيمة لها غير القيمة التي تعطيها لها هذه المفاوضات وهذه التقارير المشبوهة. التقرير لا يترجم المنعطف التاريخي والدعم الواضح لكل الدول الأعضاء في مجلس الأمن بما فيها روسيا من خلال موقف السيد سيرغي لافروف الأخير والذي كان واضحاً بأن "الحكم الذاتي شكل من أشكال تقرير المصير"، وهذا ما ينص عليه القرار 1514 للأمم المتحدة، وهو المرجع في مسألة تقرير المصير منذ 1960. لذلك وجب على الخارجية المغربية أن تدين هذه الازدواجية في التقرير ومخالفته للتوجه العام لأعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولي برمته، باستثناء الجزائر التي فاتها القطار وتركها في الرصيف تقف وحيدة، معزولة خارج الزمان وخارج المكان.

ولا غالب إلا الله.