قال جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه في خطابه الموجّه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 39 للمسيرة الخضراء (06 نوفمبر 2014):
> « فالمغاربة تلاقح حضاري أصيل، بين جميع مكونات الهوية المغربية. وهم عندنا سواسية. لا فرق بين الجبلي والريفي، والصحراوي والسوسي… ومن يدّعي أنه لا ينتمي لهذا المزيج، فهو مخطئ. ومن يحاول إثبات عكس ذلك قد يفقد صوابه.»
هذه الفقرة الملكية السامية تختزل بحكمة وعمق جوهر الهوية المغربية، باعتبارها نسيجًا متماسكًا ومزيجًا حضاريًا فريدًا تشكّل عبر قرون من التفاعل والعيش المشترك بين مختلف المكونات الثقافية واللغوية للمغرب.
فالوحدة الوطنية، في فلسفة جلالة الملك، ليست شعارًا سياسيًا ولا نتيجة ظرفية، بل قدر تاريخي وهوية جامعة تذوب فيها الانتماءات الجهوية والعرقية واللسانية في بوتقة وطن واحد اسمه المغرب.
ومن هذا المنطلق، فإن ما جاء في مقال منسوب للأستاذ الحسين الشهراوي حفظه الله، نشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإن انطلق من حرص مشروع على إنصاف المكون الأمازيغي، فقد انزلق — عن غير قصد — إلى طرح اختزالي يختزل الوطن في أحد مكوّناته، ويحوّل التنوّع الخلّاق إلى مفاضلة هوية، وكأننا بصدد استبدال مرجعية وطنية جامعة بمرجعية إثنية محدودة.
صحيح أن الحركة الوطنية، رغم دورها الريادي في التحرير وبناء الدولة الحديثة، قد ارتكبت أخطاء في حق الوطن وفي حق المكون الأمازيغي، حين لم تُحسن دائمًا احتضان كل أبعاد الهوية المغربية بتوازن وعدالة.
لكن هذا الواقع لا يمكن أن يكون مبررًا لهدم البيت من أساسه، ولا مسوّغًا للدعوة إلى “ثورة هوياتية” تضع مكوّنًا فوق آخر، لأن علاج الخطأ لا يكون بخطإ مضاد، بل بالتصحيح في إطار الوحدة والتكامل.
إن دعوة الأستاذ الشهراوي إلى “تفكيك تركة الحركة الوطنية” واعتبار “الأمازيغية جوهر الهوية” بمعزل عن بقية المكونات، تبتعد عن روح الخطاب الملكي الذي يدعو إلى الاعتراف بالتنوّع في إطار الوحدة، لا إلى صناعة هويات متقابلة.
فالوطن، كما عبّر عنه جلالته، هو هذا التفاعل المتجذر بين الأمازيغية والعربية والحسانية والعبرية والأندلسية والإفريقية، لا يقوم أحدها إلا بوجود الآخر.
أما القول بأن الأمازيغية وحدها “جوهر الأمة”، فهو تضييق لمفهوم الهوية وإفراغ للوطنية من بعدها الجامع. فالأمازيغية ليست بديلاً عن الوطن، بل هي قلبه النابض، تمامًا كما أن العربية لسانه، والحسانية روحه، والإسلام مرجعيته الروحية والحضارية.
إن الإنصاف الحقيقي للأمازيغية لا يكون بتأجيج الحساسيات، بل بترسيخ العدالة اللغوية والثقافية داخل إطار وطني موحد، وفق الرؤية الملكية الحكيمة التي جمعت بين الاعتراف بالتعدد والتشديد على الانصهار الوطني.
ولذلك، فإن من يحاول اليوم أن يزرع في المغاربة شعورًا بالتباين أو التنافر، إنما يناقض عمق التاريخ وروح الدستور وخطى جلالة الملك نفسه، الذي قالها صراحة:
> «من يحاول إثبات عكس ذلك، قد يفقد صوابه.»
وأنا على سبيل المثال رغم أنني، وأجدادي من قبلي، ذوو لسان أمازيغي سوسي، فلا يمكنني أن أزعم أنني أمازيغي قُحّ، أو عربي تمزّغ، أو إفريقي وافد إلى شمال إفريقيا.
ما يمكنني أن أجزم به، عن يقين، هو أنني مغربي... وكفى.
تجري في عروقي دماء من هذا المزيج الذي صنعه التاريخ، وأفتخر بأن أكون جزءًا من هذا النسيج الإنساني المغربي المتفرد، الذي لا يُعرَّف بالعرق، بل بالانتماء، وبالوفاء للأرض والوطن والعرش.
«أنا مغربي... وكفى.»
لقد بنى المغاربة وطنهم بتضحيات مشتركة، وسقوه من دماء أمازيغية وعربية وصحراوية وسوسية وريفية دون تمييز.
وإذا كان من حق كل مكوّن أن يعتز بخصوصيته، فإن من واجب الجميع أن يصونوا وحدتهم، لأن المغرب ليس مشروعًا لغويًا أو فئويًا، بل رسالة حضارية إنسانية أوسع من كل التصنيفات الضيقة.
قال الحق سبحانه وتعالى..: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ سورة آل عمران، الآية 103.
وقال...: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ سورة الحجرات، الآية 13.
وقال ...: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ سورة البقرة، الآية 191.
صدق الله العظيم.
وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث نبوي شريف، رواه الإمام أحمد (رقم 23489) والترمذي (رقم 3955) وغيرهما،وجاء في خطبة النبي ﷺ في حجة الوداع، قوله:
«يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم من آدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى.»
فكلكم من آدم وآدم من تراب، فاتقوا الله، ولا تجعلوا من الانتماء العرقي أو اللغوي سلاحًا للفرقة، بل جسرًا للمحبة والتكامل.
لقد قالها جلالة الملك بوضوح:
«من يحاول إثبات عكس ذلك، قد يفقد صوابه.»
وها نحن نقولها معه، بضميرٍ وطنيٍّ صادق:
أنا مغربي... وكفى.