احزرير: أحزاب اليسار بحاجة ماسة إلى الانفتاح ووضع برنامج سياسي شعبي من أجل التصالح مع الناخبين

احزرير: أحزاب اليسار بحاجة ماسة إلى الانفتاح ووضع برنامج سياسي شعبي من أجل التصالح مع الناخبين عبد‭ ‬المالك‭ ‬احزرير،‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬العام‭ ‬بجامعة‭ ‬مولاي‭ ‬اسماعيل‭ ‬بمكناس
يرى‭ ‬عبد‭ ‬المالك‭ ‬احزرير،‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬العام‭ ‬بجامعة‭ ‬مولاي‭ ‬اسماعيل‭ ‬بمكناس،‭ ‬أن‭ ‬أحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬ورغم‭ ‬قدرتها‭ ‬الكبيرة‭ ‬على‭ ‬تعبئة‭ ‬الشارع‭ ‬تظل‭ ‬فاشلة‭ ‬في‭ ‬كسب‭ ‬ثقة‭ ‬الناخبين‭ ‬في‭ ‬المحطات‭ ‬الانتخابية،‭ ‬مرجعا‭ ‬الأمر‭ ‬الى‭ ‬كون‭ ‬أحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬تركز‭ ‬في‭ ‬تواصلها‭ ‬على‭ ‬النخب‭ ‬المثقفة‭ (‬الطلبة،‭ ‬المثقفين،‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ) ‬بينما‭ ‬أحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬تستهدف‭ ‬جميع‭ ‬الشرائح‭ ‬الاجتماعية‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬انتقاء‭. ‬
كما‭ ‬يتطرق‭ ‬الى‭ ‬مشكلة‭ ‬تقوقع‭ ‬اليسار،‭ ‬داعيا‭ ‬إياه‭ ‬الى‭ ‬وضع‭ ‬برنامج‭ ‬سياسي‭ ‬شعبي‭ ‬وليس‭ ‬شعبوي،‭ ‬لأن‭ ‬مشكلة‭ ‬اليسار‭ ‬ومعه‭ ‬اليمين‭  -‬يضيف‭ ‬احزرير‭ - ‬هو‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬الشعبوية‭ ‬وشخصنة‭ ‬السلطة‭ ‬،‭ ‬ولابد‭ ‬لليسار‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬واقعي‭ ‬وبسيط‭ ‬ومنفتح‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الشرائح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كسب‭ ‬أصوات‭ ‬الناخبين.
 
 
كيف‭ ‬تنظر‭ ‬الى‭ ‬مفارقة‭ ‬كون‭ ‬أحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬لها‭ ‬قدرة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬وتعبئة‭ ‬الشارع‭ ‬مقابل‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬كسب‭ ‬ثقة‭ ‬الناخبين‭ ‬في‭ ‬المحطات‭ ‬الانتخابية؟‭  ‬
أحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬لها‭ ‬مسار‭ ‬كبير‭ ‬جدا‭ ‬مع‭ ‬الشارع،‭ ‬وأول‭ ‬من‭ ‬طور‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬هو‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬والحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬المغربي‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬الى‭ ‬حزب‭ ‬التحرر‭ ‬والاشتراكية‭ ‬ثم‭ ‬الى‭ ‬حزب‭ ‬التقدم‭ ‬والاشتراكية‭ ‬عام‭ ‬1974،‭ ‬فاليسار‭ ‬متمكن‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬الشارع،‭ ‬وله‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬مستفيدا‭ ‬من‭ ‬التراكم‭ ‬الذي‭ ‬حققه‭ ‬ومن‭ ‬التنشئة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬حققها‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الشباب‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تضيع‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬التناوب،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تشبيب‭ ‬ودوران‭ ‬للنخب‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تفتقده‭ ‬أحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬باعتبارها‭ ‬أحزاب‭ ‬أوليغارشية‭ ‬وأحزاب‭ ‬أطر،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬دوران‭ ‬النخب‭ ‬ضعيف‭ ‬داخلها‭. ‬

ولعل‭ ‬وجه‭ ‬المفارقة‭ ‬وكما‭ ‬أشرت‭ ‬في‭ ‬سؤالك‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬ورغم‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الشارع‭ ‬سيكولوجيا‭ ‬فإن‭ ‬النتائج‭ ‬تكون‭ ‬مخيبة‭ ‬للآمال‭ ‬في‭ ‬المحطات‭ ‬الانتخابية،‭ ‬وهذا‭ ‬يعود‭ ‬ربما‭ ‬الى‭ ‬كون‭  ‬أحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬كانت‭ ‬تركز‭ ‬في‭ ‬تواصلها‭ ‬على‭ ‬النخب‭ ‬المثقفة‭ ‬(الطلبة،‭ ‬المثقفين،‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة)‭ ‬بينما‭ ‬أحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬كانت‭ ‬تستهدف‭ ‬جميع‭ ‬الشرائح‭ ‬الاجتماعية‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬انتقاء‭ ‬ونطلق‭ ‬عليها les partis attrape tous،‭ ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬أضحت‭ ‬تمس‭ ‬اليوم‭ ‬حتى‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليسارية،‭ ‬حيث‭ ‬تتحول‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الى‭ ‬عملية‭ ‬حسابية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬عبر‭ ‬حشد‭ ‬الأصوات‭ ‬لتأثيث‭ ‬البرلمان‭ ‬وكسب‭ ‬الأغلبية،‭ ‬فرهان‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليوم‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬الخروج‭ ‬للشارع‭ ‬للقيام‭ ‬بالحملات‭ ‬الانتخابية‭ ‬وجمع‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الأصوات،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعلنا‭ ‬أمام‭ ‬عبث‭ ‬سياسي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أهملنا‭ ‬النضال‭ ‬والبرنامج‭ ‬الانتخابي‭ ‬وأصبح‭ ‬رهان‭ ‬أحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬وأحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬هو‭ ‬كسب‭ ‬الأصوات‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭.‬
 
هناك‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬حد‭ ‬فاصل‭ ‬بين‭ ‬البرامج‭ ‬السياسية‭ ‬للأحزاب،‭ ‬حيث‭ ‬غابت‭ ‬العقيدة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬الستينيات‭ ‬الى‭ ‬حدود‭ ‬التسعينيات‭ ‬،‭ ‬ما‭ ‬رأيك؟‭  ‬
صحيح‭.. ‬الاقتناع‭ ‬بالعقيدة‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬البرنامج‭ ‬أو‭ ‬المذهب‭ ‬السياسي‭ ‬كان‭ ‬قوي‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬اليسار،‭ ‬ولا‭ ‬نجده‭ ‬إلا‭ ‬قليلا‭ ‬جدا‭ ‬خارج‭ ‬أحزاب‭ ‬اليسار،‭ ‬مثل‭ ‬حزب‭ ‬الاستقلال‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬زعيمه‭ ‬الراحل‭ ‬علال‭ ‬الفاسي‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬كتابات‭ ‬ينهل‭ ‬منها‭ ‬مناضلون‭ ‬وضمنها‭ ‬كتاب‭ ‬مهم‭ ‬جدا‭ ‬وكان‭ ‬بمثابة‭ ‬برنامج‭ ‬ايديولوجي‭ ‬للحزب‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬"النقد‭ ‬الذاتي"‭. ‬هذا‭ ‬الصنف‭ ‬من‭ ‬التأطير‭ ‬السياسي‭ ‬تلاشى‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬بعدما‭ ‬أدمجت‭ ‬الأحزاب‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وبعد‭ ‬الإجماع‭ ‬الوطني‭ ‬حول‭ ‬الصحراء،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬الشخصنة‭ ‬والزعامات‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬تراجع‭ ‬الإدماج‭ ‬والتنشئة‭ ‬والتربية‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬مذهب‭ ‬الحزب‭ ‬وإيديولوجية‭ ‬الحزب،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬لأحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اختراق‭ ‬الشارع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحوار‭ ‬والتواصل،‭ ‬وتفسير‭  ‬وتحليل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬(التضخم،‭ ‬غلاء‭ ‬المعيشة،‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬الجماعات‭ ‬الترابية‭..‬)‭ ‬بشكل‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬البساطة‭ ‬وبأسلوب‭ ‬نضالي،‭ ‬وقد‭ ‬وقع‭ ‬أفول‭ ‬لهذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬النضالي‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬وقد‭ ‬تناول‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة‭ ‬كتاب‭ ‬مهم‭ ‬جدا‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭  ‬la fin du militant،‭ ‬فحتى‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬معروفة‭ ‬بتأطير‭ ‬الشارع‭ ‬مثل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬تحولت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬الى‭ ‬أحزاب‭ ‬للأعيان‭ ‬والنخب،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬أوليغارشية‭ ‬هي‭ ‬الأخرى،‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬الحركة‭ ‬الشعبية‭ ‬والاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬المتغيرات‭ ‬أفقدتنا‭ ‬الدينامو‭ ‬الأساسي‭ ‬للأحزاب‭ ‬أي‭ ‬النضال‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬تمريره‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬المواطنين‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬الشارع‭ .‬
 
البعض‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬أحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬ومنذ‭ ‬حكومة‭ ‬التناوب‭ ‬لم‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تجديد‭ ‬آليات‭ ‬عملها،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬تفقد‭ ‬شرائح‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المتعاطفين،‭ ‬مارأيك؟‭ ‬
مشكلة‭ ‬اليسار‭ ‬هي‭ ‬التقوقع،‭ ‬وأنصح‭ ‬أحزاب‭ ‬اليسار‭ ‬بالانفتاح‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬القوى،‭ ‬بدل‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬المثقفين،‭ ‬من‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬المثقف‭ ‬العضوي‭ ‬أي‭ ‬المناضل‭ ‬وفقا‭ ‬لمفهوم‭ ‬غرامشي‭ ‬الانفتاح،‭ ‬ولابد‭ ‬لليسار‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬برنامج‭ ‬سياسي‭ ‬شعبي‭ ‬وليس‭ ‬شعبوي‭ ‬،‭ ‬لأن‭ ‬مشكلة‭ ‬اليسار‭ ‬ومعه‭ ‬اليمين‭ ‬هو‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬الشعبوية‭ ‬وشخصنة‭ ‬السلطة‭ ‬،‭ ‬ولابد‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬واقعي‭ ‬وبسيط‭ ‬ومنفتح‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الشرائح‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬الطبقة‭ ‬المثقفة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كسب‭ ‬أصوات‭ ‬الناخبين،‭ ‬ولابد‭ ‬لليسار‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬المخاوف‭ ‬التي‭ ‬تنتاب‭ ‬الجماهير‭ ‬تجاهه،‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬ضرورة‭ ‬تعديل‭ ‬قوانينه‭ ‬الداخلية‭ ‬بما‭ ‬يسمج‭ ‬بالتداول‭ ‬على‭ ‬المسؤوليات‭ ‬والقطع‭ ‬مع‭ ‬الزعامات‭ ‬والشخصنة‭ ‬وإشاعة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الداخلية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬العمومية‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬الأمور‭ ‬بموضوعية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المخاوف‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬اليسار‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬اليمين،‭ ‬لأن‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تنزيلها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحتسب‭ ‬لليمين‭ ‬ولا‭ ‬لليسار‭ ‬وللوسط،‭ ‬فدخول‭ ‬الأحزاب‭ ‬للعمل‭ ‬الحكومي‭ ‬يعني‭ ‬نهاية‭ ‬البرنامج‭ ‬السياسي‭ ‬للأحزاب‭ ‬ووضع‭ ‬أجندات‭ ‬حكومية‭ ‬أكثر‭ ‬عقلانية‭.‬