عبد النبي البنيوي يتألّق في فيلم "موفيطا" بمهرجان طنجة

عبد النبي البنيوي يتألّق في فيلم "موفيطا" بمهرجان طنجة الممثل عبد النبي البنيوي
في إطار فعاليات الدورة الخامسة والعشرين للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، شهد اليوم الثاني من فعاليات المهرجان تقديم الفيلم الروائي الطويل "موفيطا" للمخرج الشاب معدان الغزواني، وسط متابعة دقيقة من النقاد والسينمائيين، الذين تفاعلوا مع التجربة الفنية المتميزة للفيلم. وقد شكّل هذا العرض فرصة للاطلاع على أسلوب المخرج في معالجة قضية اجتماعية معاصرة، وأيضا للتعرف على أداء الممثلين داخل متواليات هذا الفيلم السينمائي.
 
الفيلم، الذي تألق فيه الممثل عبد النبي البنيوي إلى جانب هاجر كريكع، لقي إشادة واسعة داخل فضاء العرض، بفضل صدقه التعبيري ورصانته البصرية، كما أثار نقاشا نقديا حول أسلوب إخراجه الهادئ، وحضوره القوي ضمن تيار السينما المغربية الجديدة التي تراهن على القضايا الاجتماعية بلغة سينمائية ناضجة وبعيدة عن الإطناب والافتعال.

ويحكي فيلم "موفيطا" قصة الطفل أيوب الذي يعيش مع والديه في منزل موروث، وتتفاقم الأزمة حين يطالب عمه بتقسيم المنزل، فتجد الأسرة نفسها محرومة من المرحاض الذي يقع ضمن الجزء الذي يطالب به العم، إذ حسب قصة الفيلم يضطر أفراد الأسرة إلى استعمال مراحيض الجيران والمدرسة وأيضا مراحيض المسجد.
 
وفي مقال عن الفيلم أوضح الناقد السينمائي "عبد الكريم واكريم" أن الممثل عبد النبي البنيوي قدّم في فيلم "موفيطا" للمخرج معدان الغزواني «أداء من أرفع ما قُدِّم في السينما المغربية خلال السنوات الأخيرة»، مؤكدا أن حضوره «يمنح للفيلم عمقا إنسانيا نادرا، مُشيرا أن التشخيص يمكن أن يكون فعلا تأمليا لا استعراضيا».
 
وفي تحليله لطريقة أداء عبد النبي البنيوي لدوره داخل أحداث الفيلم، يرى واكريم أن البنيوي «يحمل الفيلم على كتفيه، ويمنحه توازنه النفسي والدرامي»، مضيفا أن الكاميرا «تلتقط في ملامحه ما لا تستطيع الجمل التعبير عنه، فيتحول الصمت إلى لغة، والنظرة إلى جملة درامية مكتملة».
 
في "موفيطا", يجسّد البنيوي شخصية أب مسحوق أنهكته الحياة وضغط الواقع، يعيش على حافة العجز واليأس، ويواجه تفاصيل يومية خانقة داخل بيت مهدد بالتقويض. بالكاد يتحرّك، بالكاد يتكلم، لكنه يقول كل شيء بوجهه وصمته وانحناءة كتفيه.
 
الأداء الذي قدّمه البنيوي يُبرز مدرسة تمثيلية تقوم على الاقتصاد في الانفعال والدقة في التعبير، حيث يصبح الجسد وعاء للمعنى، لا وسيلة للزخرفة. 

و من المعروف لدى المتتبعين لمسار الفنان عبد النبي البنيوي، من خلال مشاركاته المتعددة في الأعمال التلفزيونية والمسرحية والسينمائية، أنه ممثل يولي اهتماما بالغا للتفاصيل الدقيقة التي تمنح الشخصية صدقها وعمقها الفني، من خلال توظيف نظرة العين، وإيقاع حركة اليد، وأنواع الوقف التام والمعلق والمتذبذب، بل وأيضا الصمت العضوي (le silence organique) الذي يتحول في أدائه إلى لحظة ناطقة بذاتها، تعبّر عمّا تعجز الكلمات عن قوله، بما يعكس وعيا تمثيليا رفيعا وقدرة متميزة على بناء الشخصية من الداخل.
 
ويرى كل من شاهد فيلم موفيطا أن عبد النبي البنيوي انسجم مع قصة الفيلم و رؤية المخرج معدان الغزواني ومنح "موفيطا" قوته الجمالية، إذ استطاع المخرج أن يبني عالما خانقا ومغلقا تتحرك داخله الشخصيات ببطء، بينما البنيوي صاغ هذا الانغلاق إلى لغة جسدية مؤثرة، تجعل المشاهد يشعر بوزن الصمت كما لو كان صوتا صاخبا.
 
منذ بداياته، أثبت عبد النبي البنيوي أنه ممثل من طينة خاصة، يشتغل من الداخل، يختار أدواره بعناية، ويؤمن أن التمثيل ليس صراخا أو تضخيما أو مبالغة جافة، بل حالة وجودية يعيشها الممثل بكل كيانه وجوارحه .. "فقد وُجِدَ الفن لحاجة الإنسان للتعبير عن خلجات نفسه"... 

و في هذا الفيلم، يُثبت عبد النبي البنيوي مجددا أن الواقعية في الأداء ليست متاحة لكل من يقف أمام الكاميرا، بل تتطلب الموهبة والتكوين والعمق الفني والفكري وتحتاج إلى وعي وتجربة بتراكمات مهمة ومؤثرة في مسار الفنان.
 
ولا يمكن قراءة تألق البنيوي في السينما دون الإشارة إلى رصيده الطويل في التلفزيون والمسرح والسينما، حيث راكم خبرة واسعة في أدوار مركبة ومتنوعة، مكنته من صقل أدواته الفنية وفهم التوازن بين التعبير والسكوت. كما شارك في أعمال سينمائية دولية و وطنية جعلته يقترب أكثر من الإنسان المغربي البسيط الذي يجد صوته في شخصياته.
 
أداء عبد النبي البنيوي في "موفيطا" ليس مجرد دور ناجح في فيلم جيّد، بل هو تجسيد لدرس مهني في الصدق والالتزام. فحين ينجح الممثل في تحويل الصمت إلى خطاب، واليأس إلى جمال بصري، نكون أمام فنان يكتب بملامحه سيرة الإنسان المقهور في واقع صعب، دون أن يفقد احترامه للفن أو للمتفرج.
 
إن البنيوي لا يمثّل، بل يعيش الحالة، وهذا ما يجعل حضوره في "موفيطا" علامة فارقة في مسار المهرجان، ودليلا على أن السينما المغربية حين تراهن على الممثل الحقيقي، تُنتج فنا إنسانيا لا استهلاكيا.