أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً تحليلياً بعنوان " الضرورة القانونية والأخلاقية لاستبعاد المجرمين من مؤسسات الدولة في المرحلة الانتقالية في سوريا "، يتناول أهمية الإصلاح المؤسسي كركيزة أساسية في عملية العدالة الانتقالية.
ويؤكد التقرير أنَّ استبعاد الأفراد المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ليس قراراً سياسياً انتقائياً، بل ضرورة قانونية وأخلاقية تهدف إلى منع تكرار الجرائم، واستعادة ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.
ينطلق التقرير من المرحلة المفصلية التي تمر بها سوريا عقب سقوط النظام في 8 دجنبر 2024 وتشكيل حكومة انتقالية. ويؤكد أنَّ العدالة الانتقالية لا يمكن أن تتحقق في بيئة تُبقي على البُنى والشخصيات التي رسخت الاستبداد وشاركت في الانتهاكات. كما يوضح أنَّ أي محاولة لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة، دون مساءلة وتطهير حقيقي، ستظل شكلية وعرضة للانهيار، مما يُنذر بدوامة جديدة من الإفلات من العقاب والانتقام.
ويشدّد التقرير على أنَّ الإقصاء الإداري للمتورطين لا يُعد انتقاماً، بل هو تجسيد لمبدأ “ضمان عدم التكرار” المنصوص عليه في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ويؤكد أنَّ التغاضي عن مطلب تطهير مؤسسات الدولة من المتورطين في الانتهاكات الجسيمة من شأنه أن يُضعف مسار الانتقال، ويُتيح للإفلات من العقاب أن يتغلغل في مؤسسات الدولة المستقبلية.
ويوضح التقرير أنَّ نظام الأسد استخدم مؤسسات الدولة، من القضاء إلى الإعلام فالجيش، كأدوات للقمع بدلاً من أن تكون مؤسسات في خدمة المواطن. ويستعرض التقرير مستويات التواطؤ البنيوي التي مكّنت من وقوع الانتهاكات، بدءاً من القيادات الأمنية العليا، مروراً بالقضاة الذين شرعنوا القمع، وصولاً إلى موظفين إداريين وفنيين ومثقفين وفروا الغطاء للممارسات القمعية.
وقد وثقت الشَّبكة تورط 16,200 شخص في هذه الانتهاكات، من بينهم قادة أمنيون وعسكريون، وقضاة، وعناصر من ميليشيات رديفة، بالإضافة إلى شخصيات إعلامية واقتصادية موالية للنظام.
وأكد التقرير أن استبعاد المتورطين في الانتهاكات من مؤسسات الدولة لا يُعد إجراءً انتقامياً، بل هو ضرورة قانونية وأخلاقية تستند إلى مبادئ راسخة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي صلب العدالة الانتقالية، لا سيما مبدأ "ضمانات عدم التكرار "، ويستشهد التقرير بأحكام المحكمة الأوروبية والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان، التي أقرت بشرعية إجراءات التطهير المؤسسي، شريطة أن تتم وفق معايير قانونية واضحة وضمانات عدالة نزيهة.
كما يبيّن أنَّ الإبقاء على المتورطين في الانتهاكات داخل مؤسسات الدولة يمثل طعنة لضحايا تلك الانتهاكات، ويفتح المجال أمام إعادة إنتاجها، مما يُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب.