في 31 أكتوبر 2025، سيعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعه السنوي المخصص لملف الصحراء المغربية، وهو اجتماع يتجاوز هذه السنة الطابع الروتيني ليأخذ بعدًا حاسمًا، لأن المشروع المقدم إلى أعضاء المجلس يعكس تحولًا نوعيًا في لغة المنظمة الأممية ومقاربتها لهذا النزاع المستمر منذ نصف قرن.
المسودة المسربة لمشروع القرار تكشف، بوضوح، أن مجلس الأمن بات يتحدث بلغة مختلفة:
يتحدث عن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية باعتباره “الحل الأكثر جدوى”، ويصف المقترح المغربي لسنة 2007 بأنه “جاد وواقعي وذو مصداقية”، بل ويطالب الأطراف بالمشاركة في المفاوضات دون شروط مسبقة وعلى أساس هذا المقترح، في إشارة واضحة إلى أن مرحلة الحديث عن “الاستفتاء” قد طُويت نهائيًا.
هذا التطور لم يأت من فراغ. بل هو نتيجة لتراكم سنوات من التحول في الموقف الدولي، قادته الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب ثم ثبّته خلفاؤه، بدعم من فرنسا وإسبانيا وعدد متزايد من الدول الإفريقية والعربية.
وهكذا، فإن مشروع القرار القادم لا يترك مجالاً كبيرًا للغموض: الأمم المتحدة تتجه نحو تبنّي خيار الحكم الذاتي المغربي كحل نهائي، بعد أن فشلت كل صيغ التسوية السابقة.
ماذا يعني ذلك للجزائر؟
يعني ببساطة أن السلطة في الجزائر وضعت نفسها في زاوية ضيقة.
فمنذ بداية السبعينات، جعلت من قضية الصحراء الغربية ركيزة في سياستها الخارجية، وراهنت على “تقرير المصير” كشعار ترفعه أمام الداخل والخارج لتبرير سياساتها. لكن الواقع تغيّر، والعالم لم يعد يشتري الخطاب القديم الذي كان يجد آذانًا صاغية في زمن الحرب الباردة.
اليوم، ومع اعترافات متتالية بدور الجزائر كطرف مباشر في النزاع، لم يعد بإمكانها الاختباء خلف واجهة “الوسيط” أو “الدولة الجارة”.
وإذا مضى مجلس الأمن في المصادقة على مشروع القرار بصيغته الحالية، فإن العبء السياسي والأخلاقي والمالي سيسقط بالكامل على النظام الجزائري.
لأن خيار “الاستقلال” الذي كانت تراهن عليه القيادة الجزائرية أصبح خيارًا غير واقعي دوليًا، بينما خيار “الحكم الذاتي” الذي تطرحه الأمم المتحدة يعني ضمنيًا أن الجزائر كانت - طوال هذه العقود - تدعم مشروعًا لا مستقبل له.
العزلة السياسية... والانكشاف الداخلي
من الناحية الدبلوماسية، الجزائر اليوم معزولة أكثر من أي وقت مضى.
مواقفها تتناقض مع توجهات الاتحاد الإفريقي، وتبتعد عن الموقف العربي العام، وتُحرج حتى حلفاءها التقليديين في أوروبا الذين يرون في المغرب شريكًا مستقرًا وضروريًا لمصالحهم في المنطقة.
أما داخليًا، فالشعب الجزائري لم يجْنِ من هذا الملف سوى مزيد من الإنفاق في دعم جبهة لا تمثله، ومزيد من العداء المفتعل مع جارٍ كان من الممكن أن يكون شريكًا اقتصاديًا وإقليميًا قويًا.
لقد تحولت القضية من “قضية تقرير مصير شعب” إلى رهان بقاء نظام سياسي يعيش على الأزمات ويقتات من الصراعات الخارجية لتغطية فشله الداخلي.
لكن الآن، ومع التحول الأممي الواضح، سيجد النظام نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما أن يقبل بالواقع الجديد ويتعامل ببراغماتية مع الحل المقترح،
أو أن يستمر في المكابرة والعزلة، فيخسر أكثر على الصعيد الدولي والداخلي معًا.
اللحظة الحرجة
المسار الأممي الحالي يضغط في اتجاه الحسم قبل نهاية ولاية بعثة المينورسو في يناير 2026.
وهو ما يعني أن الباب يُفتح لأول مرة منذ عقود أمام اتفاق نهائي يضع حدًا للنزاع.
لكن هذا الاتفاق، إن تم، سيترك الجزائر أمام مراجعة مؤلمة لتاريخ طويل من المواقف الخاطئة، وسيُظهر للرأي العام أن السلطة ضيّعت على البلاد فرصًا اقتصادية وسياسية هائلة بسبب عناد أيديولوجي لا معنى له في عالم اليوم.
التحولات القادمة ستُعرّي كل سرديات “المظلومية الثورية” التي بناها النظام حول نفسه، وستكشف أن الجزائر الرسمية كانت في الواقع تسير عكس التاريخ، وتستثمر في قضية لا تملك مفاتيحها ولا مستقبلها.
ويبقى السؤال الحاسم:
هل ستتعامل الجزائر هذه المرة بعقل الدولة، أم ستواصل الدوران في حلقة العناد السياسي؟
الجواب سيتضح مع تصويت مجلس الأمن في نهاية هذا الشهر... لكن المؤشرات كلها تقول إن العالم قرر طي الصفحة، بينما الجزائر لا تزال عالقة في سطور الماضي.
كريم مولاي، خبير أمني جزائري/ لندن