إن التعديلات الأخيرة حول قانون الشيك تهدف، من حيث المبدأ، إلى تحيين الإطار القانوني والتنظيمي للتعامل بالشيكات، وإضفاء دينامية جديدة على هذا المجال، من خلال مقاربة إصلاحية تراهن على التسوية الودية بدل العقوبة السجنية.
كما أن هذا المشروع جاء بعد تراكم كبير في القضايا المرتبطة بالشيكات، الأمر الذي دفع الحكومة إلى البحث عن حلول تشريعية لتخفيف العبء عن القضاء والمؤسسات السجنية، عبر اعتماد آليات بديلة أكثر مرونة، من بينها إلغاء المتابعة القضائية الفورية في حالة إرجاع الشيك دون مؤونة وتخفيف العقوبات السالبة للحرية، واعتماد السوار الإلكتروني بدل الاعتقال الفعلي.
أشير إلى أن النص الجديد يتيح إمكانية استرجاع الحق المالي عبر أداء غرامة مالية مخففة، تحدد في حوالي 2% عوض 25% كما كان معمولاً به في السابق، وهو ما يفترض أن يشجع على التسوية الودية حتى بعد صدور الأحكام القضائية.
لكن التوجه، رغم إيجابياته الشكلية، قد يسهم في إضعاف عنصر الردع الذي كان يشكل أحد أهم عوامل الانضباط في التعامل بالشيكات، وكان الخوف من العقوبة السالبة للحرية في السابق دافعا أساسيا لتسوية النزاعات بشكل سريع، في حين أن تراجع الطابع الزجري قد يؤدي إلى تراخ في الأداء وازدياد حالات التماطل أو التحايل.
هنا أحذر من أن التخفيف المفرط في العقوبات قد يفقد الشيك جزءاً من قيمته كأداة ائتمان مضمونة، ويحوله إلى مجرد وسيلة أداء مؤجلة، خصوصا في ظل غياب ضمانات كافية لحماية المستفيدين وضعف الوعي القانوني لدى بعض الفئات.
أما في ما يتعلق ببعض المقتضيات ذات الطابع الاجتماعي، مثل إسقاط العقوبة بين الأزواج، أوضح أنها تحمل بعدا إنسانيا مهما، لكنها قد تفتح الباب أمام استغلالات أو تحايلات إذا لم تواكب بحملات توعية قانونية ومراقبة دقيقة في التطبيق.
أريد أن أؤكد أيضا على أن نجاح هذا الإصلاح رهين بتجربته الميدانية، وبمدى قدرته على الموازنة بين حماية الثقة في المعاملات التجارية وتخفيف الضغط عن القضاء والسجون، وأي إصلاح قانوني، مهما بلغت دقته التقنية، يبقى مرتبطا بمدى نضج الوعي الاقتصادي والاجتماعي داخل المجتمع.