عندما نلج إلى شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع المحسوبة داخله بالملايين، ونكتفي بما يوجَّه منها صوب بلادنا، نُلفي أنفسنا أمام زخم غالب، من حيث العدد، لذباب إلكتروني جزائري ينحو أفرادُه منحى رئيس دولتهم المتمتعة بحق تقرير المصير، لا بالاستقلال كباقي الدول التي يَأْهُلُها ويملأ فضاءاتِها الأحرار، ولذلك يطول حبل الكذب عندهم قالَباً ومحتوًى، حتى أن أهل الكذب هناك يصدّقون دائماً ذواتِهم، كما فعل ذاك الذي قال لمرافقيه كاذباُ إن وسط حزمة القش هذه دنانير من ذهب، ثم ألقى بنفسه إلى غمارها قبل أن يسبقه إليها أحد!!
مشهد سريالي، أليس كذلك؟!!
مواقع التواصل الجزائرية ملئى بنوعيات لا تخرج عن التصانيف التالية:
* فئة مسطولة، بالزطلة وما جاورها، لا تعلم شيئا عما يقع حولها، تَذكُر رئيسها بخير، "عمي تبون" كما يُسَمِّيه روادُ هذه الفئة، وكما يناديه أفرادها بين كل سكرة وأخرى، لأنهم سكرانين ليل نهار، يخلطون بين الخمر الرخيصة وأقراص الهلوسة، ولذلك لا تفترق هذه الفئة سوى في نوعية الشراب عن سكان الموراديا، القابعين طوال الوقت في نادي الصنوبر، الفضاء الوحيد القادر على حمل جثثهم عندما يعربدون، ولكنهم كما يعلم العالَم دائما يعربدون، ودائما بتخذون قراراتهم في فورة العربدة، ولأجل ذلك يندمون على اتخاذها ويغيرونها بين كل استيقاظة وأخرى!!
* فئة من المحكورين المتذمرين، المتكئين سحابةَ أيامهم على جدران القصبات وحيطان الأحياء المهمشة، يدخنون الورق والقش عندما لا يجدون ما يشترون به سجائر يقتسمونها فيما بينهم، أو يدخنونها بالتناوب إلى أن تنطفئ، وهؤلاء هم الحرّاكة، أو مشاريع الحراكة، يستطيع الواحد منهم أن يُشبع والده أو والدته لطماً ولكماً للحصول على مدخراتهما قصد منحها للمتاجرين في قوارب الموت، وكم منهم ممّن ألقوا بأنفسهم إلى غياهب البحر تاركين الوالد والوالدة في حالة احتضار، غمّاً وكمَداً وخَصاصة!!
* ثم فئة الشباب المتعلم، وأغلبهم أبناء عِلْيَة القوم، وأبناء كبار الضباط، وأغلب هذه الأغلبية يتابعون دراستهم في فرنسا، وبعض البلدان الأوروبية الأخرى، وقد فتح لهم آباؤهم حسابات بنكية زاخرة بالغازودولار، وبالتالي تكون دراستُهم من جراء ذلك مقرونةً بممارسات أخرى معظمها مشوب بالخزي، وبالعار، كالشذوذ، والمتاجرة في الممنوعات، أو الاكتفاء بالغرق في العلب الليلية يملؤونها ليلا وينامون داخلها أو خارجها نهاراً... ولذلك يغيب الشباب المثقف في "جزائر شنقريحة وتبون"، حتى صارت هذه العيّنة هناك، في ذلك البلد الجار، آيلةً إلى الانقراض!!
هذه المعطيات الرهيبة يستطيع المرء أن يستَكْنِهَها بالملموس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واللااجتماعي، تنضاف إليها عينة أخرى ليست أفضل حالاً، وهم المجندون من لدن مخابرات عبلة، الذين يُصبِحون ويُمسون على كيل كل أشكال السباب والشتيمة للمغرب تحديداً، ولكل ماهو مغربي، يلتمسون بذلك نوعا من الحظوة والرضا عند مشغّليهم، وهؤلاء هم المشكّلون للمادة الصلبة لما يسمى عند اليوتيوبر بالذباب الإلكتروني، وهو اسم على مسمى لأنه، كالذباب تماماً، يظل يبحث عن القاذورات إلى أن يَعثُر عليها، فيتجمّع حولها وهو يَزِنُّ ويَطِنّ، ولذلك لا يصدر عنه قولاً وفعلاً سوى العفن، في الإخبار، والتحليل، والتعليق، وفي كل ما يصدر عنه من تُرَّهات لا يصدقها إلاّ أصحابُها، كما يصدق ذلك الكذّاب على الدوام كذبة وجود الدنانير الذهبية تحت كومة القش، السالف ذكرها فيما سبق من القول!!
وكما جاء في العنوان أعلاه، يتمنطق الجزائريون سيوفَ الخشبِ ورِماحَه داخل المواقع الإلكترونية كما كان يفعل "دي لامانشا" في مروية "دونكيشوت"، لتبقى البطولة الحقيقية لشباب المغرب، خارج شبكات التواصل، في ساحات الفعل السياسي، والدبلوماسي، والعسكري، والثقافي، والرياضي... واللائحة طويلة وحافلة...
فيا له من فارق رهيب بين تلك الفروسية، وهذه البطولة... عجبي!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد