ورش تعميم الحماية الاجتماعية: نحو ترسيخ عدالة اجتماعية مستدامة في النموذج التنموي المغربي

ورش تعميم الحماية الاجتماعية: نحو ترسيخ عدالة اجتماعية مستدامة في النموذج التنموي المغربي سعيد التمسماني
يُعد ورش تعميم الحماية الاجتماعية أحد أعمدة التحول الاستراتيجي الذي يشهده المغرب في مسار بناء دولة العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. فهو ليس مجرد مشروع قطاعي، بل ورش ملكي شامل يعيد تعريف مفهوم التنمية من زاوية إنسانية تضع المواطن في صلب السياسات العمومية، وتجعل من الإنصاف الاجتماعي محوراً مركزياً للنموذج التنموي الجديد.
لقد دخل المغرب مرحلة مفصلية من خلال إطلاق هذا الورش التاريخي، الذي يستهدف إعادة بناء منظومة الحماية الاجتماعية على أسس العدالة، الاستهداف الدقيق، والاستدامة المالية. ويعكس هذا المشروع إرادة سياسية واضحة لتجاوز المقاربة التقليدية التي كانت تميز السياسات الاجتماعية، نحو مقاربة شمولية ومندمجة تربط بين البعد الصحي، والاقتصادي، والتضامني.
تشير المعطيات الرسمية إلى تخصيص موارد مالية هامة، تُقدَّر بعشرات المليارات من الدراهم سنوياً، لتمويل برامج التغطية الصحية التضامنية، التي يستفيد منها ملايين المواطنين من الفئات الهشة. وقد مكنت هذه الخطوة من توسيع نطاق التغطية الصحية لتشمل ما بين 80 و85 في المائة من السكان، وهو تطور نوعي يترجم الإرادة في تحقيق العدالة في الولوج إلى الخدمات الأساسية.
غير أن نجاح أي إصلاح اجتماعي واسع النطاق يقتضي الاعتراف بوجود اختلالات موضوعية. فقد أظهرت التجربة السابقة لنظام المساعدة الطبية أن ضعف الاستهداف ودقة المعطيات الاجتماعية أدّيا إلى استفادة غير مستحقة لفئات معينة، ما فرض ضرورة مراجعة شاملة للآليات التقنية والإدارية المعتمدة في التقييم والتتبع. ومن هنا، فإن التحدي الأكبر اليوم لا يكمن في توسيع التغطية فحسب، بل في ضمان نجاعتها وعدالتها واستدامتها.
إن تعميم الحماية الاجتماعية يطرح سؤالين جوهريين على مستوى السياسات العمومية: سؤال الحكامة وسؤال الفعالية.
فالحكامة تقتضي إرساء منظومة شفافة قادرة على ضبط عمليات الاستهداف وتدبير الموارد، بما يضمن وصول الدعم إلى مستحقيه. أما الفعالية فتستلزم توحيد القواعد والأنظمة المختلفة في إطار رؤية منسجمة، وتقييم دوري لمردودية البرامج الاجتماعية، مع الانفتاح على آليات مبتكرة في التمويل، بما في ذلك الشراكات مع القطاع الخاص وصناديق التضامن المجتمعي.
ومن زاوية أوسع، يُعد هذا الورش ركيزة أساسية في تفعيل النموذج التنموي الجديد الذي يقوم على فكرة “الاستثمار في الإنسان”. فالمغرب لا يسعى فقط إلى بناء منظومة صحية أكثر عدلاً، بل إلى تأسيس مجتمع متضامن يحصّن الفئات الهشة من الهشاشة ويضمن انتقالاً اجتماعياً سلساً نحو طبقة وسطى قوية ومستقرة.
لذلك، فإن المرحلة الراهنة تستوجب تقييماً دورياً معمقاً لمسار تنزيل هذا الورش، وفق مقاربة علمية تعتمد مؤشرات دقيقة للعدالة الاجتماعية والتأثير الاقتصادي. فنجاح المشروع لا يُقاس فقط بعدد المستفيدين، بل بمدى إحداثه لتحول ملموس في جودة الحياة، وفي تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وفي تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات.
إن ورش تعميم الحماية الاجتماعية ليس محطة عابرة، بل مساراً استراتيجياً طويل الأمد يرسخ التحول الاجتماعي الذي يعيشه المغرب. ومتى تمكّنت السياسات العمومية من تثبيت أسس هذا الورش على قاعدة الحكامة الرشيدة، والتقييم المستمر، والاستهداف العادل، فسيغدو النموذج المغربي في الحماية الاجتماعية نموذجاً يُحتذى به في المنطقة، ودليلاً على أن الإصلاح الاجتماعي العميق هو المدخل الحقيقي لتحقيق التنمية المستدامة والكرامة الإنسانية.