زكية لعروسي: الجزائر والتحريض.. فسيكفينا الله شر الدولة الضاربة 

زكية لعروسي: الجزائر والتحريض.. فسيكفينا الله شر الدولة الضاربة  زكية لعروسي
 
حين تتحول الجارة إلى محرضة، ويتخذ الصراخ بدل الحوار طريقا، ندرك أن الفوضى لا تولد من فراغ، بل من قلوب إمتلأت غلا، وعقول أنهكها العجز عن البناء. الجزائر تكثر من الحديث عن المغرب كلما ضاق صوتها الداخلي، كأنها المرآة المكسورة التي ترى في غيرها شظاياها قبل أن ترى حقيقتها.
كيف لمسؤول جزائري أن يسمح لنفسه بالتحريض على الفوضى في بلد يملك من الاستقرار ما لا تملكه دول بأكملها؟ أليس الأولى أن ينظر حوله ليرى دخان البطالة واليأس المتصاعد من شوارع بلاده والشباب الذين يقفون في طوابير الأمل المفقود؟ أفلم ينظروا إلى أنفسهم كيف دارت عليهم الدائرة، وكيف التهمت الريوع أرواحهم قبل أن تستهلك خزائنهم؟
أفلا ينظرون إلى أرضهم التي أجدبت رغم الثروة، وإلى اقتصادهم الذي أكلته الريعية كما تأكل النار حطبها؟ ألم يروا أن الله أنبت في أرض المغرب خيرا كثيرا بعمل وسعي، بينما عجزت أيديهم عن تحويل المال إلى إنتاج؟ إنهم يرون الخصب في غيرهم ولا يبصرون القحط في بيوتهم.
منذ عقود تكتب الجزائر تاريخها على ورق الريع، بينما المغرب ينقشه بالحجر والحديد والموانئ والطرق والمشاريع. وعدت شعبها بالاكتفاء والكرامة، فإذا بها تغرقه في صفوف الانتظار. رفعت الشعارات فارتدت صداها، وصارت تبحث عن دولة داخل الدولة. وحين تضيق الحيلة، يصبح التحريض مهربا، ويغدو المغرب الشماعة التي تعلق عليها كل الهزائم. يصرخون من خلف الحدود كما يصرخ من في البئر يظن صوته يصعد إلى السماء.
الجزائر  تعيش اليوم مفارقة موجعة: بلد غني بالنفط والغاز، فقير في الرؤية والإدارة. تجلس على كومة من الذهب الأسود لكنها تشكو البرد. تملك الغاز لكنها تفتقر إلى الدفء الإنساني والسياسي والاقتصادي.
منذ سبعينيات القرن الماضي ربطت اقتصادها بعجلة النفط دون أن تزرع بذور إنتاج حقيقي. وحين جف بعض المورد، انكشف العجز الهيكلي: بطالة تتجاوز 13% رسميا وتناهز 25% بين الشباب، بحسب تقديرات دولية حديثة، رغم المداخيل الغازية الهائلة. وما زالت تستورد معظم غذائها وأدويتها وتفشل في إقامة صناعة تحويلية قادرة على خلق فرص عمل. وكأنها لم تدرك أن النفط رزق مؤقت، وأن العقول هي الثروة الباقية.
ورثت الجزائر عن حقبة بومدين مركزية خانقة.. وتحولت الكفاءات إلى سجناء انتظار. وفي التسعينيات ضاعت فرصة التحول إلى اقتصاد سوق بسبب العشرية السوداء، ثم تبخرت المليارات بعد 2000 في مشاريع متضخمة بلا أثر حقيقي. قال أحد الاقتصاديين الجزائريين: “الجزائر لا تعاني من نقص الأموال بل من فراغ الفكرة”.
وحين يعجز النظام عن إقناع شعبه بمسار اقتصادي ناجح، يبحث عن عدو خارجي يغطي به فشله. المغرب يصبح هدفا رمزيا لأنه المرآة التي تكشف التفاوت. بينما يبني المغرب الموانئ الكبرى ويمد يده لإفريقيا بمشاريع خضراء وتنمية متصلة، يعيش الجار الشرقي على إيقاع اللجان والبيانات والتحذيرات، كما لو أنه يكرر خطابات الخمسينيات في زمن الثورة الرقمية.
كيف لدولة بهذا الغنى أن تزرع الفقر ثم تلوم غيرها على خصوبته؟ من السهل أن تهاجم المغرب، لكن من الصعب أن تبني شعبا واثقا من غده. الأنظمة التي تغذي الكراهية لا تصنع مجدا، بل تؤجل سقوطها فحسب.
الجزائر اليوم كمن يغرق في صمته الداخلي ويحاول أن يغرق غيره معه. يظن أن الضجيج حياة، وأن نباح السياسة يغطي أنين الاقتصاد. لكن المغرب تعلم أن يمشي وسط العواصف بثبات، وأن يبني في صمت لا يسمع فيه لغو ولا ضوضاء. الأوطان الكبيرة لا ترفع صوتها بل ترفع إنجازها.
أما الجزائر، فإنها إن واصلت هذا المسار، ستجد نفسها يوما في صحراء سياسية لا يسمع فيها إلا الصدى. والمغرب لا يخاف الفوضى لأنه تجاوزها بفكر ورؤية، بينما من يعيش في الدخان يخاف من النور. التحريض على المغرب ليس سياسة بل هروب من الحقيقة، والحقيقة أن الشعب المغربي يرد على الكيد بالعمل، وعلى الصراخ بالإنجاز.
فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم. المغرب سيبقى شامخا، ومن حاول أن يعبث بنور الاستقرار المغربي سيحرقه فشله قبل أن يمس هذا الوطن.