ويرى الأستاذ الباحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، أن رد فعل الحكومة يكشف عن فهم ضيق لطبيعة الاحتجاج، الذي ينسف شعار "الدولة الاجتماعية" عبر التركيز على قضايا الصحة والتعليم والفساد. محملا المسؤولية لجميع الأحزاب السياسية التي تناوبت على السلطة، معتبراً أنها أسهمت في ترسيخ الفساد وإرهاق الدولة. ويخلص إلى أن حل الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة ليس حلاً مجدياً، لأن البنية السياسية ستفرز نفس النخب، داعيا إلى إعادة النظر في المقاربات السياسية وتجاوز التجاهل المستمر للإشارات التحذيرية الواردة في التقارير الرسمية.
أولا، بعد البروز المفاجئ لحركة Z، وعلى مدار الأيام القليلة الماضية من انطلاق الاحتجاجات، وطريقة تفاعل ورد أحزاب الأغلبية الحكومية عليها، يبدو أن هناك مجموعة من الملاحظات والتفسيرات بدأت تتضح، لأن إعلان أحزاب الأغلبية عن التجاوب والترحيب بالنقاش مع المحتجين، يعطي انطباعا بالفهم الحكومي الضيق لطبيعة الاحتجاج، فالأمر لا يتعلق بمشاكل محصورة في فئات محددة، وإن كان التعبير عنها يتم بالفئة الشابة، فالحركة مجرد صورة من صور التعبير عن عدم الرضى المنتشر في الجسم الاجتماعي برمته تجاه السياسات الحكومية.
ثانيا، هناك مشكل في الطريقة التي فهمت بها الحكومة الخطاب الملكي في النقطة المتعلقة "المغرب بسرعتين"، ما معناه "سرعتين": يعني أن التفاوت موجود وبشكل صارخ في كل المستويات، وليس على المستوى المجالي فقط: أي هناك قطاعات اجتماعية واسعة خارج مبدأ العيش الكريم، وهناك مجالات ترابية واسعة خارج العملية التنموية، وهناك شرائح عمرية واجتماعية خارج تغطية الخدمات، وهناك قطاعات خارج اهتمامات الحكومة.
وهناك وهناك.....
ثالثا، يبدو أن شعار الحركة، خصوصا الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، ينسف في العمق الأساس الإيديولوجي الذي أسست عليه هذه الحكومة كل خطاباتها وشعاراتها، وهو خطاب "الدولة الاجتماعية"، وبذلك تكون الحركة أصابت جوهر الخطاب الذي اعتمدته الحكومة على مدار أربع سنوات من عمرها، وضربته عرض الحائط.
رابعا، يبدو أن جميع الأحزاب السياسية التي تناوبت على السلطة والمعارضة معا مسؤولة بشكل مباشر عن ما آلت إليه الأوضاع، وهي من سربت الفساد إلى جميع مفاصل الدولة.
خامسا، يبدو أن الأحزاب السياسية هي السبب المباشر في إرهاق وتعب الدولة والحالة الاجتماعية التي وصلت إليها، من خلال الدفع بمنتخبين ومسؤولين لا غيرة لهم على الوطن، همهم مصالحهم ومصالح ذويهم ومحيطهم، ناهيك عن إغراق الأجهزة والمؤسسات بأتباعها ودعاتها.
سادسا، يبدو أن الدعوة إلى حل الحكومة والبرلمان وإجراء انتخابية مبكرة، خيارا متسرعا وغير مجدي إطلاقا، لأن البنية القانونية والسياسية والاجتماعية والمؤسساتية ستفرز نفس التركيبة التي هي خلف هذه المشاكل والأوضاع الحالية. فالمرحلة الحالية لا ينبغي فيها إطلاقا وضع تدبير الشأن العام بشكل مطلق في يد الأحزاب السياسية.
سابعا، يبدو أن الحكومة والبرلمان والأحزاب وجميع من يتحمل مسؤولية عمومية، لا ينتبهون إلى الإشارات والعلامات الحمراء، قبل أن تتحول إلى هزات اجتماعية مباغتة، فالإشارات الواردة في تقارير المندوبية السامية للتخطيط، وتقارير المجلس الأعلى للحسابات، وتقارير المفتشيات... تحمل إشارات وعلامات كانت منذ مدة تنذر – بطريقة غير مباشرة- أن هناك شيء ما يتشكل بشكل تدريجي قبل أن يترجم إلى الحالة والأوضاع الحالية، لماذا إذن ذاكرة السياسي الحزبي ضعيفة إلى هذه الدرجة؟
ثامنا، هناك مقاربات خاطئة في تبني الخيارات والسياسات، مثل التركيز على خطاب التشبيب والتأنيث. فهذه الخيارات لا تعالج المشاكل في شموليتها، إنما ينبغي أن تتأسس الخيارات والسياسات على فكرة الإنسان، لا على الجنس أو العمر أو غير ذلك.