لم يتجاوز عدد الشباب خلال اليوم العاشر من احتجاجهم، بضع عشرات من الأفراد في الرباط والدار البيضاء، وهو نفس العدد تقريبا في أكادير، في حين سجلت بعض المدن 37 المعلن عنها في بلاغ سابق، صفر مشارك..
وعاينت جريدة "أنفاس بريس" من خلال شبكة مراسليها في عدد من المدن، مساء يوم الإثنين 6 أكتوبر 2025، تراجع زخم هذه الحركة الشبابية التي رفعت مطالب إصلاح الصحة والتعليم، وهي مطالب اجتماعية قبل أن تتحول لمطالب سياسية، تتمثل في إقالة الحكومة، وقبل ذلك محاسبتها.
انخفاض أعداد المتظاهرين، جعل البعض يطرح تساؤلات حول المستقبل، فهل الاحتجاج اليومي هو ما أنهك هؤلاء الشباب، أم أن تدارك الحكومة من خلال تصريحات بعض وزرائها، واتخاذ إجراءات جديدة، خصوصا في قطاع الصحة، هو ما جعل أعداد المتظاهرين تتراجع؟ أم أن الجو العام المتمثل في أحداث العنف والتخريب جعل البعض الآخر ينأى بالمشاركة في أي وقفة؟
في جميع الأحوال، فإن التراجع الكبير في أعداد المشاركين في احتجاجات حركة "زيد" يثير تساؤلات جوهرية حول قدرتها على الاستمرار بنفس الزخم، وما إذا كان هذا التراجع مؤشرا على نهاية مبكرة للحركة أم مجرد استراحة تكتيكية.
فالانخفاض من مئات المحتجين إلى العشرات في مدن كبرى يكشف عن تحديات بنيوية تواجه الحركات الشبابية العفوية.
أحد المتتبعين لهذا الاحتجاج، اعتبر أن السبب الأكثر بداهة هو طبيعة الاحتجاج اليومي نفسه، فخروج الشباب كل يوم، والحفاظ على وتيرة المظاهرات اليومية يتطلب قدرة تنظيمية ولوجستية وتفرغاً يصعب على الشباب، خاصة الطلاب والموظفين، الالتزام به على المدى الطويل، وبالأخص بالنسبة للتلاميذ والطلبة، مع بداية استئناف الموسمين الدراسي والجامعي. فكيفما كان الحال، فإن هذا المجهود اليومي المستمر قد يكون استنزف طاقة المحتجين الأساسيين، مما أدى إلى تضاؤل أعدادهم بشكل طبيعي مع مرور الأيام، حسب قول محاورنا.
وإذا كان هذا الاحتجاج الشبابي انطلق بشكل "عفوي" وغير منظم، معتمدا بشكل أساسي على دعوات عبر منصات التواصل الاجتماعي، ورغم أن هذه العفوية كانت سر قوتها في البداية، إلا أنها قد تكون اليوم نقطة ضعفها الرئيسية.
ويبدو أن هذه "العفوية" المقصودة في عدم التنظيم، تنبه لها المحتجون الشباب، من حيث تراجع أعداد المشاركين في التظاهرات اليومية، هو الذي جعل النقاش خلال اليومين الماضيين على منصة "ديسكورد"، وهي المنصة الحاضنة للنقاشات، يسير في اتجاه إطلاق نداء من أجل تعيين منسقين في التظاهرات على صعيد كل المدن، وذلك في محاولة للتعبئة والتنظيم محليا، وقد سبق ذلك خلق غرف إقليمية ودولية، على منصة "ديسكورد"، يتم فيها النقاش والتحضير والتقييم.
ولم يستغرب نفس المصدر، أن تتحول الاحتجاجات اليومية إلى أسبوعية، أو إبداع أشكال احتجاجية أخرى غير التظاهرات، من قبيل ما اعتبروه "مقاطعة اقتصادية من أجل العدالة"، وتهم جردا بكل الشركات والمؤسسات التي يمتلكها رئيس الحكومة.
ولم يستبعد محاورنا، أن يكون انعدام المطالب الموحدة للاحتجاج الشبابي، على الرغم من وجود مطالب عامة تتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، من قبيل غياب لائحة مطالب دقيقة وموحدة، هو ما يجعل من الصعب بناء برنامج نضالي مستدام، وهذا برز بشكل جلي في الملف المطلبي الأول الذي جعل من إقالة أخنوش، في المقدمة، قبل أن يستدرك المحتجون الشباب بالقول أن هذه المطالب، لا تعتبر رسمية ونهائية، وأنها "عينة أولية".
الارتباك عاد من جديد، في البيان الأخير المؤرخ في 7 اكتوبر 2025، والذي تمت عنونته بأنه بيان ما يريده الشباب من إصلاح وليس ملفا مطلبيا، على حد ما جاء في منصة "ديسكورد"..
وبعيدا عن الواقع، فإن مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي مختلفة تماما من حيث الحشد الافتراضي، إذ يتجاوز عدد أعضاء منصة "ديسكورد"، 190 ألف عضو، وتنقسم المنصة بشكل تنظيمي إلى غرف ونقاشات عامة وإقليمية ودولية، ومقترحات وإعلانات وأسئلة وأجوبة، حيث نقاشات يومية تمتد على مدى 24 ساعة، وطوال الأسبوع.
وإذا كان هذا الاحتجاج الشبابي قد نجح في تحقيق تعبئة رقمية واسعة، فإن ترجمة هذا الزخم الافتراضي إلى حضور فعلي ومستمر في الشارع يمثل التحدي الأكبر. إذ الكثير من الشباب قد يكتفون بالتعبير عن دعمهم عبر الإنترنت دون الشعور بضرورة المشاركة الميدانية اليومية، مما يخلق فجوة بين حجم النقاش على المنصات الرقمية وعدد المشاركين الفعليين في الشوارع.
من كل ما سبق، يؤكد المتتبعون أنه من المبكر الحكم على مستقبل حركة "زيد" بشكل نهائي، فقد يكون هذا التراجع مجرد مرحلة انتقالية لإعادة ترتيب الصفوف والتفكير في أشكال احتجاجية جديدة وأكثر استدامة.