أيها الزعماء النقابيون، عودوا إلى نُبل من سبقوكم.
أكنّ كثيرًا من التقدير لكل النقابات التي لا زالت وفيّة لأرواح مؤسسي الدفاع عن حقوق العمال، ولثقافتهم في مجال أداء الواجب المهني بأخلاق عالية ومسؤولة. لا أظن أنّ النقابيين الكبار في تاريخ بلادنا كانوا ممّن يتهاونون في الدفاع عن حقّ المواطن أولًا، وعن المقاول الوطني المحترم للقانون ثانيًا، وعن الساهرين على بناء اقتصاد وطني قوي بالاستثمار، والعمل، وكثير من المسؤولية في مواجهة اقتصاد الريع، ونقابات الريع، وأحزاب الريع، وزعماء الريع، ومقاولي الريع.
نتفنّن في تحقير الآخر الذي يؤدي واجبه بكل بساطة، ونعته بأقدح النعوت، ولا نلتفت إلى مساوئ ممارسة السياسة، وممارسات بعض النقابيين الذين اختاروا الدفاع عن حقوق العمال والأجراء، وجزء منهم يعيش على ريع نقابي أصبح الكثير من المواطنين يعرفون أساليب الحصول عليه. تمكّن بعض الموظفين من الحصول على رواتب وعلاوات وهدايا بعيدًا عن أداء واجب مهني. وهذا شيء معلوم ومعروف لدى الجميع. واستطاعت هذه الأقليّة أن تُضعف الجسم النقابي المغربي حتى أوصلت مستوى تمثيلية النقابات للشغيلة إلى أقل من 4%. وانتقلت الوساطة الاجتماعية إلى تنسيقيات فئوية ذات تواجد مؤقت، وإلى أشكال جديدة من الفعل المجتمعي عبر آليات تكنولوجية يتملكها شباب تجاوزوا الأشكال التقليدية للنضال، وللتحاور مع الدولة.
أحزنني بلاغ لنقابة أحترمها، وهي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وفرعها المتعلق بالصحة، في مواجهة والي الدار البيضاء. قال الوالي، الذي يعطيه القانون صلاحية كبيرة لتتبع وتنسيق أعمال كل المصالح الخارجية لكل الوزارات في كافة المجالات، إنّ جميع الأطباء وكل مهنيي الصحة يجب أن تتم مراقبة حضورهم بالمستشفى العمومي التابعين له. انزعج من كتب البلاغ من إصرار الوالي على مراقبة واجب مهني في المجال الصحي العمومي يوجد في عمق تدبير الأمر الترابي في كافة القطاعات. يعتبر الطبيب موظفًا عموميًا يتلقى أجرًا، وله واجب اتجاه بني جلدته، وعليه يقع عبء كبير لا يمكن أن يتملّص من أدائه.
يوجد المشكل، أيها المناضلون النقابيون، في سياسات شجّعت هروب كثير من الأطباء من القطاع العام خفية إلى عالم الظلام. النقابة ليست مستنقعًا، ولا سدًا يحمي البعض من نتائج الأمراض التي تزيد من ضعف المستشفى العمومي. لن أحترم أية نقابة تدافع عن الهاربين من المستشفى العمومي إلى مستشفى خصوصي من أجل تحصيل أموال خارج القانون والأخلاق المهنية والإنسانية. ولن أفهم أبدًا كيف تتحوّل حماية مواطن مريض إلى محاولة لتبرير غياب عن أداء واجب.
"باراكا" أيها المناضلون المؤسساتيون من تفضيل حضور نقابة "تمثيليًا" على حساب مواطن. أؤكد أن أي ممرض أو طبيب يهرب من المستشفى العمومي يقترف فعلًا يجب أن يكون تكييفه من طرف القضاء. وأؤكد أنّ من تسلّلوا إلى تدبير الشأن العام عبر الرشوة، وعبر السيطرة على صنع القوانين التي أرجعت المرفق العام للصحة إلى مرحلة السوق الخاضع لذلك القانون "الهمجي" الذي يسمى "العرض والطلب".
يا من تبقّى من جيل النقابيين الأخيار لا التجار، كونوا في جنب من يدافع عن حق المواطن في الولوج إلى العلاجات. أنتم أدرى بعاهات تدبير المستشفيات العمومية..
أندّد بالفعل النقابي الذي يخون نُبل رسالة النضال التي حملها قادة نقابيون دخلوا السجون من أجل أداء رسالة وطنية تشمل الاستقلال وحماية الشغيلة من طاغوت المستفيدين من الريع. ولا أريد أن يتم اتهام أي مناضل نقابي بالدفاع عن مهربي الفعل الطبي الموجّه إلى ذوي الدخل المحدود، وتحويله ليصبح ضد الحق في الولوج إلى العلاجات. باراكا من هذه البلاغات التي تروّج لسوق العلاجات حسب الطلب، وحسب القدرة على الأداء. كل طبيب، وكل مهنيي الصحة الذين يتواجدون في مصحات خاصة، في الوقت الذي يستوجب وجودهم في مقرات عملهم بالمستشفى العمومي، يعتبر فعلًا يستوجب مساءلة قانونية أمام القضاء. أكفر بحضور نقابة تدافع عن الغياب وتبرير الأخطاء المهنية والأخلاقية. وألف سلام على روح النقابيين الأحرار الذين يكفرون بكل فعل يهمل أداء الواجب اتجاه المواطن المريض.
ألف لعنة على كل النقابات التي تدافع عن المفسدين، والتي تبرّر غيابهم عن المستشفى العمومي، والتي تدافع عن الهاربين إلى القطاع الخاص، وعلى المستفيدين من التهرّب الضريبي. وألف عبارة إهانة لكل نقابة تحوّل طبيبًا إلى مندوب نقابي لم يمارس أبدًا عملًا في خدمة المرضى المحتاجين إلى العلاجات. ومن منا لا يعرف أن البعض يفضّل التفرغ النقابي على خدمة المرضى الموجودين في حالة هشاشة. لا يمكن أن لا أتفق مع الطبيب وكل مهنيي الصحة الذين يخدمون في المستشفى العمومي، والذين يعانون أمام ضعف الإمكانيات التي لا تمكّنهم من تقديم خدمات تليق بمواطن مغربي في بلاد تؤكد قدرتها على توفير التغطية الصحية الإجبارية لكل المواطنين. أؤكد أن هناك تقدمًا ملموسًا في مجال التغطية الصحية، ولكن هناك أيضًا ضعفًا كبيرًا في مجال الولوج إلى العلاجات. ولا أعتبر أن الطبيب وكل مهنيي الصحة الشرفاء والملتزمين هم سبب أزمة الصحة في بلادنا.
قال من نطق باسم نقابة عتيدة إنّ أعطاب قطاع الصحة العمومية لا يمكن ربطها بالشغيلة الصحية. ويُعتبر هذا الموقف صحيحًا إذا لم يثبت أن بعض مكونات هذه الشغيلة تشتغل لدى أصحاب المصحات الخاصة، خلال أوقات عملها داخل المستشفى العمومي. لا يجب أن تصبح كل نقابة، كيفما كان تاريخها، واجهة لإخفاء حقيقة استفادة منخرطيها من ريع يتيحه عمل غير قانوني لدى المصحات الخاصة. ويجب على كل نقابات بلادنا أن تبيّن، بكل شفافية، عدد مهنيي الصحة الذين يستفيدون من الريع النقابي عبر آليات التفرغ. ويجب على كل نقابات بلادنا أن تساهم في فضح شبكات المصحات الخاصة التي تحصل على الترخيص الرسمي دون أن تقدّم بيانات تفصيلية بمواردها البشرية والمادية والتكنولوجية.
لا يمكن أن يستمر الوضع في مستشفياتنا العمومية على ما هو عليه. ويجب ألّا ننكر على السلطات الترابية القيام بدورها في مراقبة حضور الأطباء في الإقليم والولاية. يشتكي سكان كثير من الأقاليم من هروب كثير من مهنيي الصحة من أماكن تعيينهم لأكثر من ثلاثة أيام في الأسبوع. كفى من الدفاع عن تسليع الخدمات الصحية يا مناضلي النقابات. أنتم الأقرب إلى الحقيقة، وأنتم الذين تعرفون أن الولوج إلى العلاجات يرتكز أساسًا على حضور الطبيب والممرض، والمسؤولين عن مختبر التحليلات، ومهنيي آليات التصوير بكل أنواعها. كنت أتمنى أن تساند الكونفدرالية الديمقراطية للشغل كل عمل يساهم في منع استغلال القطاع الخاص للموارد البشرية التابعة للقطاع العام. ولكن العمل النقابي أصبح لدى البعض حليفًا لحاملي مشاريع إضعاف الولوج إلى العلاجات لكثير من الفئات الاجتماعية. أؤكد على أن كل هارب من مستشفى عمومي على حساب صحة مواطن فقير في مستشفى عمومي يُعتبر مجرمًا. فلتنتبه كل النقابات، لأن أشكال النضال ستتجاوزها بأساليب كثيرة لتدقيق المتابعة، والذكاء الاصطناعي الذي يفضح المستفيدين من الريع النقابي والسياسي.
تمر بلادنا بمرحلة صعبة في مجال تدبير القضية الاجتماعية. عبّر المجتمع المغربي بكل أشكال التعبير بما فيها تعبير بعض المجرمين، وأصبح الواجب الوطني، وواجب المحللين السياسيين والاجتماعيين استنباط وسائل البحث عن الأشكال الجديدة للوساطة السياسية والاجتماعية. نعم نعرف أن كل الحدود الجغرافية والمؤسساتية تضعف أمام نظم المعلومات الحديثة، ولكن الأهم سيظل أخذ العبرة، وتحليل أسباب التفاوتات الاجتماعية والمجالية، ومحاربة من يريد إضعاف بلادنا داخليًا بالغش، وبالرشوة، وبكل أساليب الاستيلاء على الثروات..
ولو ركّزت كل النقابات على تاريخ القيادات المؤسسة للفعل السياسي، والنقابي، لاستعاد الكثير منهم الرشد والالتزام.