إسماعيل الجباري: دستور 2011 "حصَّن" منصب رئيس الحكومة ضد الإعفاء الملكي

إسماعيل الجباري: دستور 2011 "حصَّن" منصب رئيس الحكومة ضد الإعفاء الملكي الأستاذ إسماعيل الجباري الكرفطي
قال الأستاذ إسماعيل الجباري الكرفطي، أن الدستور الحالي ينتصر للتأويل الديمقراطي والبرلماني، مما يحصّن رئيس الحكومة من الإعفاء الملكي المباشر.
وأضاف أستاذ القانون الدستوري، في تصريح لجريدة
"أنفاس بريس"، أن الفصل 47 من دستور 2011 ينص بوضوح على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات البرلمانية، لكنه لا يتضمن أي قواعد واضحة لإعفائه..
وكانت دعوات الاحتجاج الشبابي، قد وضعت نقطة إعفاء عزيز أخنوش من رئاسة الحكومة، ضمن أولويات مطالبها..
 

 
هل نحن أمام أزمة أم جمود دستوري؟ بالنظر إلى سابقة مؤسساتية ودستورية، ورد في بلاغ الديوان الملكي المؤرخ في 17 مارس 2017 ما يلي: "لقد سبق لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أن بادر بالإسراع، بعد 48 ساعة من الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر 2016، بتعيين السيد عبد الإله بنكيران رئيساً للحكومة... وبمقتضى الصلاحيات الدستورية لجلالة الملك، بصفته الساهر على احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات، والمؤتمن على المصالح العليا للوطن والمواطنين، وحرصاً من جلالته على تجاوز وضعية الجمود الحالية، فقد قرر، أعزه الله، أن يعين كرئيس حكومة جديد، شخصية سياسية أخرى من حزب العدالة والتنمية. وقد فضل جلالة الملك أن يتخذ هذا القرار السامي، من ضمن كل الاختيارات المتاحة التي يمنحها له نص وروح الدستور". 
 
في ظل الحالة السياسية والمؤسساتية الحالية والاحتجاجات الشبابية المتعددة، هل يمكن للملك اللجوء إلى إجراء دستوري من قبيل إعفاء رئيس الحكومة؟ إن الجواب على هذا الإشكال يكمن في مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور التي تنص على أن الملك "يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها". هذا المقتضى هو تتويج لعرف دستوري يربط بين تولي منصب رئيس الحكومة وتصدر حزبه لنتائج الانتخابات، وهو ما أكده خطاب 9 مارس 2011 في مرتكزاته الرابعة عبر "تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب وعلى أساس نتائجها". ويتأكد هذا الاختيار الديمقراطي من خلال إحالات الدستور العديدة على مكانة الشرعية الانتخابية للمؤسسات التمثيلية، وتقوية المنحى الديمقراطي في تعيين رئيس الحكومة. 
 
إن مقتضيات الفصل 47 من الدستور لم تؤسس لقواعد دستورية واضحة بشأن إعفاء الملك لرئيس الحكومة، تكون قادرة على تأطير كل الحالات الممكنة، سواء في السياقات السياسية العادية أو غير العادية، خصوصاً خلال مرحلة التنصيب الحكومي أمام البرلمان. فالاقتصار على قاعدتي تصدُّر الانتخابات ونتائجها يبدو غير كافٍ لتسييج مسار تعيين وإعفاء رئيس الحكومة وتنصيبها بضوابط دستورية ثابتة وواضحة. 
 
إن إرجاع ضعف المحتوى المعياري للفقرة الأولى من الفصل 47 إلى مجرد إغفال أو نقص في التشريع الدستوري هو أمر مستبعد، وذلك بالنظر إلى جوهرية هذه القاعدة ومفصليتها في تشكيل المؤسسة الحكومية، والعناية التي أولتها لها الوثائق الدستورية الملهمة. كل ذلك يرجح أننا بصدد اختيار سياسي واعٍ يقوم على توليفة تقيد سلطة التعيين الملكي من وجه، وتفسح المجال أمامه من وجه آخر. 
 
إن غياب الضوابط المعتادة في الدساتير المقارنة بخصوص مأسسة علاقة الملك برئيس الحكومة (الإعفاء أو تقديم الاستقالة) في الوثيقة الدستورية المغربية، قد يكون نتيجة للنظر في إمكانية إعفاء رئيس الحكومة من زاوية تتجاوز النص القانوني الصريح. 
 
فاختصاص الملك لا يتوقف عند حدود تعيين رئيس الحكومة، بل يبقى مشرفاً على المسلسل برمته إلى حين تعيين الحكومة. هذا ما ذهب إليه التأويل الملكي لوظيفة الملك بصفته جهة التعيين، وكذلك التأويل القضائي الصادر عن المجلس الدستوري الذي ذهب إلى أن تحديد الهيكل التنظيمي للحكومة وغيرها من الأمور "تعود إلى الملك ورئيس الحكومة". 
 
على هذا الأساس، فإننا أمام تحول نوعي في النظام الدستوري، خصوصاً في بُعده البرلماني. فمقتضيات دستور 2011 جعلتنا ننتقل من التأويل الرئاسي الذي كان وارداً في دستور 1996، والذي كان يخول للملك إعفاء الوزير الأول، إلى دستور 2011 الذي عزز التأويل البرلماني لمؤسسة رئيس الحكومة. وبالتالي، لا يمكن إعمال قاعدة "توازي الشكليات" التي تفترض أن من يملك سلطة التعيين يملك سلطة الإعفاء، خصوصاً وأن الملك يمارس صلاحية تعيين رئيس الحكومة بصفته الساهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات، وصيانة الاختيار الديمقراطي. 
 
إذن، لا يمكن إعفاء رئيس الحكومة لأن الدستور ينتصر لأطروحة التأويلين الديمقراطي والبرلماني.