محمد عزيز الوكيلي:عودة إلى أحداث الشغب... مرة أخرى اين هي الأحزاب؟!

محمد عزيز الوكيلي:عودة إلى أحداث الشغب... مرة أخرى اين هي الأحزاب؟! محمد عزيز الوكيلي
عندما يبحث المتتبع ويسعى وراء الهيئات والمؤسسات التي رفعت أصواتها لتدين أعمال التخريب، التي طالت نحو ثلاثٍ وعشرين مدينة مغربية، أو الهيئات التي أصدرت بيانات شجاعة وصريحة في هذا الاتجاه، يجدها بالجملة تلتزم الصمت، وهو صمت مريب بكل المعايير، ويكاد يشهد على رغبتها في استمالة المُشاغبين والمُخرّبين إلى صفها، في استحقاقات انتخابية باتت قريبة (صيف 2026). ذلك أنّ ما بقي من الأحزاب تقمّص جُبّة "نيكولو دي برناردو دي ماكيافيلي" فصار لا يرى إلا بمنظار عدد أصوات الناخبين المحتمَلين، مهما كانت نوعياتهم، متمردين، أو مجرمين متأصِّلين، أو لصوصاً ذوي سوابق... المهم هي أصواتهم!!
 
لذلك لن يجد المتتبع سوى جمعيتين حقوقيتين مغمورتين، ومجموعة سكنية هي "ساكنة آيت أورير"، وحزب واحد هو حزب الكتاب الذي لم يبق منه هو الآخر غير أوراق ممزقة ومتناثرة، أقصد "التقدم والاشتراكية"، الذي يقال، والعُهدةُ على الراوي، أنّ مكتبه السياسيّ عقد اجتماعاً طارئاً أسفر عن إعلان "الرفض المطلق" (هكذا!!) لكل اعمال التخريب، كما جاء في بيان له عقب ذلك الاجتماع... وهذه تُحسب لما بقي من رفاق نبيل بنعبد الله...أمّا الباقي من الأحزاب، فصمتٌ مطبق، ولكنه صمتٌ يَنطِق بالعجب العُجاب بلا بيانات ولا خطب ولا كلمات!!
 
الساحة العامة هدأت اختِلاجاتُها، وصمتت في أجوائها أصوات الزعيق النشاز الذي حلّ، ذات أربع أو خمس ليالٍ مضت، محلّ مسيرات ووقفات احتجاجية كانت في بداياتها سلمية، كما أكد شباب الجيلz بعظمات ألسنتهم، قبل أن تتحول إلى مشاهد يندى لها جبين كل عاقل في هذا البلد، الذي رغم ما يُقال عن هدوئه واستقراره، ففي جوف شوارعه وأزقته وأبنيته، المنتمية إلى جغرافيا التواضع والعَوَز والتهميش، يَرقد رمادُ السنين، في مواجهة صامتة مع سلطة تشريعية ومنتخَبِين من مختلف الجهات والأقاليم والحواضر والقرى، أغلبهم مطلوب أو على وشك صدور الطلب في حقه أمام العدالة، وسلطة تنفيذية معظم أعضائها هي الأخرى خارج التغطية، فلا يتحرك ولا يظهر منها سوى المعنيين بالدبلوماسيا، وبأوراش السياحة والصناعة والتجارة، وآخرين مكلفين بالاستعداد لاستحقاقات نهائيات كأس الأمم الإفريقي (2025) وكأس العالم (2030)، والباقي من أعضاء الحكومة موزعٌ بين غائب عن المشهد كلِّيَّةً، وبين مُتحامل على نفسه لكي يُحقق بين الحين والآخر إطلالات مغمورة وخجولة، لا ليقدم قيمة مضافة للوطن والمواطنين، وإنما ليُذَكِّرَ نفسه وأسرته وأبناءه وأصدقاءه، بين الحين والآخر، بأنه عضو في الحكومة، أو مسؤولٌ ذو شأن في تراتبيتها الإدارية والوظيفية، أما المهنية فهي الغائب الأعظم على مستوى هذا النسيج التنفيذي، منذ صارت الأحزاب السياسية حاذقةً، فقط لا غير، في اقتراح أسماء ما أنزلت المهنيةُ الحقّةُ بها من سلطان، لشَغل مناصبَ وحقائبَ بعيدةٍ كل البعد عن تخصصاتها العلمية والمعرفية إن كانت لديها فعلاً تخصصات!!
 
هل هذه نقيصةٌ من نقائص مبدأَيْ الديمقراطيا والتداول السلمي على السلطة، ومظهرٌ من مظاهر النصفَيْن الفارغَيْن من كأسَيْهما المُتْرَعَيْن أمام الخاص والعام؟
 
أم هي، فحسب، نتيجة منطقية كان ينبغي أن تكون متوَقّعَة بكل تفاصيلها، للتحوّل الارتدادي الذي ضرب الأحزاب المغربية بالجملة، فجعلها تفقد قيمتها السياسية، ومهمتها الدستورية، وأرصدتها الجماهيرية، لا فرق في ذلك بين من وُصِفت بالأمس القريب بالإدارية، وبين من كانت توصف في الماضي بالوطنية، والعتيدة، والتاريخية... اتفو عليها دنيا!!!
 
اليوم، تنشغل الضابطة القضائية من أمن ودرك وسلطة إدارية وترابية بالبحث أولاً عن مدبّري ومنشّطي تلك الفوضى غير الخلاّقة، التي خُرِّبت فيها ممتلكاتٌ عامة وخاصة، وانتُهِكت خلالها حُرماتٌ من كل الأشكال والمستويات، والمبادرة ثانياً إلى تنفيذ الأوامر القضائية بالإحضار في حق البعض، والاعتقال في حق بعض آخر، ونشر مذكرات البحث على مختلف الأصعدة في حق بعض ثالث، من أجل أن يكون لتلك الفوضى والعربدة ما بعدهما، وهذا هو عين المشروعية، وعين العقل والمنطق... ولكن، ماذا بعد؟!
 
هل ستكون هذه بمثابة صدمة كهربائيية لضمائر قيادات الأحزاب تجعلها تلملم شظاياها وبقاياها وتحاول، ولو مجرد محاولة، أن تستعيد بعضاً يسيراً من مسؤولياتها الدستورية، عسى أن تُنقذ ما بقي من كرامتها المهدورة أمام ناخبيها ومناضليها وأمام المواطنين كافة؟!
 
أم هل سنُلفي أنفسنا أمام تكرار نفس المشهد، الذي تلا أحداث الربيع المغربي، سنة 2011، فننتظر من المؤسسة الملكية، وحدها كما في كل مرة، أن تتخذ قراراتها العلاجية ضد الفاسدين والمفسدين، الذين هم الآن منهمكون كالعادة في تقاذف مسؤولية الفشل والخيبة فيما بينهم، كل منهم يعلق إخفاقاته على مشاجب الآخر... ثم ينتهي الأمر، بسبب غياب الانخراط الجماعي والكلّي للسلطتين التشريعية والتنفيذية في جهود الإصلاح والتصحيح الملكية، إلى هدوء مقنّع يظل يحمل في أمعائه جراثيم وفيروسات لن تلبث ذاتَ تجربةٍ قادمةٍ أن تطفو بسمومها وتقيّحاتها على السطح... وهَلَمَّ بعد ذلك فوضىّ وعبثاً كما في هذه المرة؟!!
 
اللهم اجعل أحزابَنا تستفيق من سُباتها المزمن، وتنخرط بالفعل، لا بالصمت، أو بالاجتماعات والبيانات والتصريحات الإعلامية الصفراء، في الإصلاحات المطلوبة والوشيكة والمنتظَرة، لأنها، أقصد الأحزاب، تظل رغم ضُعفها وهَوانها طرفاً مشروعاً في معادلة الديمقراطيا والتداول الإيجابي على السلطة، ورقعةً لها وزنها ومكانتها فوق خريطة السياسة الوطنية... وإلاّ، فسيكون من الواجب علينا، جميعا، أن نبحث عن طرف آخر نُوكِلُ إليه هذه المهمة الدستورية بدلا من كائنات "زومبية"، أقصد حية ميتة، نطلق عليها مَجازاً وصفَ "الأحزاب"!!!
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد