عنف الخطاب السياسي في المغرب: أزمة ثقة وأفق مظلم قبل انتخابات 2026

عنف الخطاب السياسي في المغرب: أزمة ثقة وأفق مظلم قبل انتخابات 2026 عزيز أخنوش وعبد‭ ‬الإله‭ ‬بنكيران‭
مع‭ ‬قرب‭ ‬محطة‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬أواخر‭ ‬سنة‭ ‬2026،‭ ‬يحتد‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬الأغلبية‭ ‬والمعارضة،‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬البرلمان،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬منصات‭ ‬الخطابة‭ ‬الحزبية،‭ ‬وكذا‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬سؤال‭ ‬تحليل‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الخطاب،‭ ‬تحريض‭ ‬وكراهية‭ ‬واستعداء‭ ‬وتزييف‭ ‬للحقائق،‭ ‬مما‭ ‬أصبح‭ ‬معه‭ ‬يشكل‭ ‬ظاهرة‭ ‬مثيرة‭ ‬للقلق‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي،‭ ‬ويتطور‭ ‬ليصبح‭ ‬وسيلة‭ ‬للتنمر‭.‬‮ ‬

 
هي‭ ‬أمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لايقتصر‭ ‬على‭ ‬جهة‭ ‬دون‭ ‬أخرى،‭ ‬إذ‭ ‬يكون‭ ‬صادرا،‭ ‬أحيانا،‭ ‬عن‭ ‬أعضاء‭ ‬الحكومة‭ ‬وأغلبيتها‭ ‬البرلمانية،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬المعارضة‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يربطه‭ ‬البعض‭ ‬بأنه‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬التشريعيةـ‭ ‬والتي‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬سنتها‭ ‬بامتياز،‭ ‬فإن‭ ‬البعض‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الربط‭ ‬متعسف‭ ‬فيه،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬يبرز‭ ‬مباشرة‭ ‬عقب‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬النتائج‭ ‬الانتخابية،‭ ‬تشريعية‭ ‬أو‭ ‬جماعية،‭ ‬ويستمر‭ ‬طوال‭ ‬الزمن‭ ‬الحكومي،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬مستمرا‭ ‬في‭ ‬الزمان،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لايقتصر‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬نجد‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬الموسوم‭ ‬بالعنف‭ ‬والكراهية‭ ‬في‭ ‬أرقى‭ ‬الدول‭ ‬ديمقراطيا،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬حادا‭ ‬وتترتب‭ ‬عنه‭ ‬ننتائج‭ ‬غير‭ ‬صحية‭.‬
 
خطاب‭ ‬يتجاوز‭ ‬الأغلبية‭ ‬والمعارضة‮ ‬
خلال‭ ‬العشرية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وبالضبط‭ ‬منذ‭ ‬انتخابات‭ ‬2011،‭ ‬والتي‭ ‬أتت‭ ‬بحزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬إلى‭ ‬الحكومة،‭ ‬تؤكد‭ ‬المتابعة‭ ‬الحثيثة‭ ‬للخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬بالمغرب،‭ ‬أنه‭ ‬ارتفع‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬عبر‭ ‬إدخال‭ ‬مصطلحات‭ ‬حيوانية‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬السياسيين،‭ ‬تماسيح‭ ‬وكلاب‭ ‬بل‭ ‬وعفاريت،‭ ‬بالمقابل‭ ‬برز‭ ‬خطاب‭ ‬سياسي‭ ‬مضاد،‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة‭ ‬إلا‭ ‬ألصقها‭ ‬بهذه‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يترأسها‭ ‬عبد‭ ‬الإله‭ ‬بنكيران‭ ‬وبعده‭ ‬سعد‭ ‬الدين‭ ‬العثماني،‭ ‬وهو‭ ‬نفس‭ ‬الخطاب‭ ‬القديم/المتجدد‭ ‬الذي‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬عزيز‭ ‬أخنوش،‭ ‬حيث‭ ‬أضحى‭ ‬تبادل‭ ‬خطابات‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية،‭ ‬سمة‭ ‬النقاش‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬ينتظر‭ ‬فيه‭ ‬المواطن‭ ‬نقاشا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الرهانات‭ ‬والتحديات‭ ‬المطروحة،‭ ‬وأضحت‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬قناة‭ ‬لتصريف‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتصاعد‭ ‬مع‭ ‬بروز‭ ‬مظاهر‭ ‬الاحتقان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬واحتدام‭ ‬الاستقطاب‭ ‬السياسي،‭ ‬وهو‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬التحريض‭ ‬ضد‭ ‬الخصوم‭ ‬السياسيين‭ ‬أو‭ ‬المجموعات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬ليشمل‭ ‬تشكيك‭ ‬القادة‭ ‬السياسيين‭ ‬في‭ ‬نوايا‭ ‬المعارضة‭ ‬أو‭ ‬الأغلبية،‭ ‬وتبادل‭ ‬الاتهامات‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ووسائط‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬
 
عوامل‭ ‬وراء‭ ‬العنف‭ ‬الخطابي‮ ‬
وبخصوص‭ ‬خلفيات‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬المرتبط‭ ‬بالعنف‭ ‬والكراهية،‭ ‬فإن‭ ‬محللي‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي،‭ ‬يربطونه‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭.‬‮ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬غياب‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار‭ ‬وقبول‭ ‬الآخر،‭ ‬وتصلب‭ ‬التمثلات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬استغلال‭ ‬بعض‭ ‬القادة‭ ‬السياسيين‭ ‬لهذه‭ ‬الخطابات‭ ‬لاستقطاب‭ ‬جماهير‭ ‬أو‭ ‬تأجيج‭ ‬التحزب‭ ‬الداخلي‭.‬‮ ‬كما‭ ‬تلعب‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ووسائط‭ ‬التواصل‭ ‬دورًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬في‭ ‬تضخيم‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬وتداوله‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭..‬

ويشكل‭ ‬الاستقطاب‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬الأغلبية‭ ‬والمعارضة‭ ‬بيئة‭ ‬مشحونة‭ ‬تدفع‭ ‬القادة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬خطاب‭ ‬قوي‭ ‬وعنيف‭ ‬كوسيلة‭ ‬لكسب‭ ‬التأييد‭ ‬أو‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الخصوم،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الأزمات‭ ‬السياسية‭ ‬كالتصويت‭ ‬على‭ ‬القوانين‭ ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬ملتمسات‭ ‬لحجب‭ ‬الثقة‭.‬
 
السلطة‭ ‬والاستقطاب‭.. ‬وقود‭ ‬الصراع‮ ‬
ويساعد‭ ‬في‭ ‬احتداد‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب،‭ ‬غياب‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار‭ ‬السياسية‭ ‬البناءة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬آليات‭ ‬التشاور‭ ‬والتفاهم‭ ‬يجعل‭ ‬الاطراف‭ ‬تلجأ‭ ‬للغة‭ ‬الاستفزاز‭ ‬والتجريح،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تُعتبر‭ ‬المواجهة‭ ‬العلنية‭ ‬المباشرة‭ ‬مؤشرًا‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الموقف‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬وسيلة‭ ‬لكسب‭ ‬تعاطف‭ ‬القواعد‭ ‬الشعبية‭ ‬أو‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭.‬

ويبقى‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬المناصب‭ ‬والسلطة،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬محفزات‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رغبة‭ ‬بعض‭ ‬السياسيين‭ ‬والنقابيين‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬مواقفهم‭ ‬أو‭ ‬إضعاف‭ ‬مكانة‭ ‬خصومهم،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬الاحتكام‭ ‬لخطاب‭ ‬عنيف‭ ‬ينحو‭ ‬أحيانًا‭ ‬إلى‭ ‬التنمر‭ ‬والتشهير،‭ ‬بهدف‭ ‬إحداث‭ ‬انشقاق‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المعارضة‭ ‬أو‭ ‬الأغلبية،‭ ‬أو‭ ‬إثارة‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬تمنحهم‭ ‬الأفضلية‭ ‬السياسية،‭ ‬ويلعب‭ ‬الإعلام‭ ‬ووسائط‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬دورًا‭ ‬بارزًا‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬وتضخيم‭ ‬خطاب‭ ‬العنف‭ ‬والتنمر‭ ‬السياسي،‭ ‬إذ‭ ‬تغري‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬بعض‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين‭ ‬والنقابيين‭ ‬باستخدام‭ ‬لغة‭ ‬تحريضية‭ ‬لجذب‭ ‬الانتباه‭ ‬وإحداث‭ ‬تأثير‭ ‬سريع‭ ‬لاتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬متشددة‭.‬

ويشير‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الشعور‭ ‬بعدم‭ ‬الأمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬التوترات‭ ‬المجتمعية،‭ ‬ينعكس‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬السياسيين‭ ‬والنقابيين،‭ ‬حيث‭ ‬يستعملون‭ ‬لغة‭ ‬تحريضية‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬مخاوف‭ ‬شخصية‭ ‬وجماعية،‭ ‬كما‭ ‬تغذيها‭ ‬مشاعر‭ ‬الإحباط‭ ‬والضعف‭.‬‮  ‬
 
البعد‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي
هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬تعقيدات‭ ‬ظاهرة‭ ‬الخطاب‭ ‬العنيف‭ ‬والتنمر‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬والتي‭ ‬تتطلب‭ ‬تدخلات‭ ‬شاملة‭ ‬لتعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار‭ ‬والنقاش‭ ‬الديمقراطي‭ ‬وتفعيل‭ ‬آليات‭ ‬المسائلة‭ ‬والردع‭..‬

وظاهرة‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬ليست‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تعد‭ ‬ظاهرة‭ ‬عالمية‭ ‬متصاعدة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬ففي‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬مثل‭ ‬ألمانيا،‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬الهند،‭ ‬وميانمار،‭ ‬يشهد‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬تصاعداً‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬الكراهية‭ ‬والتحريض،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفشي‭ ‬العنف‭ ‬المادي‭ ‬والاجتماعي‭..‬‮ ‬

ويتغذى‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬العنيف‭ ‬عالمياً‭ ‬على‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬والفوارق‭ ‬الثقافية‭ ‬والدينية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬للاستقطاب‭ ‬الحزبي‭ ‬والتنافس‭ ‬الانتخابي‭ ‬الحاد‭.‬‮ ‬

وهذا‭ ‬الخطاب‭ ‬يخلف‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬متطرفة،‭ ‬فتحريض‭ ‬الأقليات‭ ‬الدينية‭ ‬والعرقية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬ميانمار‭ ‬والهند،‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬جرائم‭ ‬كراهية‭ ‬واسعة‭ ‬ونزاعات‭ ‬طائفية‭.‬

وتشير‭ ‬تقارير‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومنظمات‭ ‬حقوقية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬سرعة‭ ‬وانتشاراً‭ ‬بفعل‭ ‬تطور‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬ويلقى‭ ‬حضورًا‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬لدول‭ ‬عديدة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬

وأكدت‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬أن‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬يرتفع‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬ويهدد‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬آسيا،‭ ‬إفريقيا،‭ ‬والأمريكيتين؛‭ ‬وتوظفه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬كمادة‭ ‬للصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬أو‭ ‬لتعبئة‭ ‬الجماهير‭ ‬ضد‭ ‬الخصوم‭ ‬أو‭ ‬الأقليات‭.‬

وشهدت‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬ألمانيا،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والهند،‭ ‬وميانمار،‭ ‬والعراق‭ ‬واليمن‭.. ‬موجات‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬ترتبط‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بخطاب‭ ‬سياسي‭ ‬محرض‭ ‬على‭ ‬الكراهية‭ ‬يستهدف‭ ‬الأقليات‭ ‬الدينية‭ ‬والعرقية‭ ‬أو‭ ‬اللاجئين‭ ‬والمهاجرين،‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬ذلك‭ ‬حد‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬رواندا‭ ‬والبوسنة‭ ‬وكمبوديا‭..‬‮ ‬
‮ ‬
انعكاسات‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬والمؤسسات
وبالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬المغرب،‭ ‬فإن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬الحقوقية‭ ‬تحذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬انتشار‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والعنف‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬الانقسام‭ ‬الداخلي‭ ‬ويضعف‭ ‬مفهوم‭ ‬المواطنية‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك‭.‬‮ ‬وتصبح‭ ‬المؤسسات‭ ‬السياسية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الأحزاب‭ ‬والنقابات،‭ ‬منابر‭ ‬لتبادل‭ ‬الاتهامات‭ ‬واستعمال‭ ‬لغة‭ ‬عنيفة‭ ‬تجاه‭ ‬المنافسين‭ ‬السياسيين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬ككل‭.‬

وتدعو‭ ‬هذه‭ ‬الهيئات‭ ‬الحقوقية،‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬خطابها‭ ‬الرمزي‭ ‬والأخلاقي،‭ ‬ونبذ‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الإقصاء‭ ‬والسب‭ ‬والشتم،‭ ‬لما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬وتحفيز‭ ‬السلوكيات‭ ‬المتطرفة‭.‬‮ ‬ويلح‭ ‬الخبراء‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬بناء‭ ‬هوية‭ ‬وطنية‭ ‬موحدة‭ ‬تحتضن‭ ‬التنوع،‭ ‬مع‭ ‬تفعيل‭ ‬قنوات‭ ‬الحوار‭ ‬والانفتاح‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬الأغلبية‭ ‬والمعارضة،‭ ‬وحث‭ ‬القادة‭ ‬السياسيين،‭ ‬ودورهم‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬خطاب‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بدل‭ ‬تأجيج‭ ‬الصراعات‭ ‬الداخلية‭..‬

هذه‭ ‬الأمثلة‭ ‬الحديثة‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬السياسي‭ ‬أصبح‭ ‬قضية‭ ‬دولية‭ ‬وتمس‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬الدول،‭ ‬وتجعل‭ ‬الحاجة‭ ‬ملحة‭ ‬لوضع‭ ‬سياسات‭ ‬وقوانين‭ ‬رادعة‭.‬
 
الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي
وتبرز‭ ‬مخاطر‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬المستند‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬والتنمر‭ ‬والازدراء،‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬يخلف‭ ‬عداء‭ ‬كبيرا،‭ ‬يؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬على‭ ‬أدوار‭ ‬الحكومة‭ ‬والمعارضة‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬خصوصا‭ ‬عند‭ ‬تجاوز‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات،‭ ‬الأفراد‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الخطاب‭ ‬المؤسساتي،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬استغلال‭ ‬التنافس‭ ‬السياسي‭ ‬لتأجيج‭ ‬التفرقة‭ ‬وزرع‭ ‬الريبة‭ ‬إما‭ ‬في‭ ‬شرعية‭ ‬الأغلبية‭ ‬أو‭ ‬نزاهة‭ ‬المعارضة‭..‬

ويرى‭ ‬المحللون‭ ‬أن‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاحتقان‭ ‬اللفظي‭ ‬سببه‭ ‬هشاشة‭ ‬المشهد‭ ‬الحزبي‭ ‬وتوتر‭ ‬العلاقات‭ ‬البينية‭ ‬وغياب‭ ‬ثقافة‭ ‬التوافق،‭ ‬ما‭ ‬يحول‭ ‬الخلاف‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬شخصي‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬الخطاب‭ ‬العام‭ ‬ويخلق‭ ‬بيئة‭ ‬سلبية‭ ‬داخل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭..‬

فخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬السياسي‭ ‬يُعد‭ ‬مؤشرًا‭ ‬مبكرًا‭ ‬لاحتمال‭ ‬اندلاع‭ ‬أعمال‭ ‬عنف‭ ‬وجرائم‭ ‬فظيعة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تتضافر‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬لمكافحة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سن‭ ‬قوانين‭ ‬وتعزيز‭ ‬سياسات‭ ‬التعايش‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬
فالتحريض‭ ‬المستمر‭ ‬والممنهج‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والشبكات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬يعمق‭ ‬الانقسام‭ ‬المجتمعي،‭ ‬ويضعف‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬ويؤسس‭ ‬لبيئة‭ ‬سياسية‭ ‬غير‭ ‬صحية‭ ‬وغير‭ ‬آمنة‭.‬‮ ‬
 
نحو‭ ‬خطاب‭ ‬يرسخ‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي
ويرى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المتتبعين،‭ ‬أنه‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والتنمر‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي،‭ ‬يمكن‭ ‬اتخاذ‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الفعالة‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬مستويات‭ ‬متعددة‭ ‬تشمل‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني،‭ ‬التوعية‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار:
*‭ ‬تحديث‭ ‬القوانين‭ ‬الجنائية‭ ‬والسياسية‭ ‬لتضمين‭ ‬نصوص‭ ‬واضحة‭ ‬تجرم‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والعنف‭ ‬اللفظي‭ ‬ضد‭ ‬الخصوم‭ ‬السياسيين،‭ ‬مع‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬رادعة‭ ‬على‭ ‬المخالفين‭.‬‮ ‬

*‭ ‬تفعيل‭ ‬الجهات‭ ‬الرقابية‭ ‬والمحاسبية‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬السياسية‭ ‬والبرلمان‭ ‬لضبط‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬ومنع‭ ‬التجاوزات‭.‬‮ ‬
*‭ ‬إطلاق‭ ‬حملات‭ ‬وطنية‭ ‬تستهدف‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين‭ ‬والنقابيين‭ ‬وأحزابهم‭ ‬لتوعيتهم‭ ‬بآثار‭ ‬خطاب‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬والديمقراطية‭.‬

*‭ ‬تعزيز‭ ‬برامج‭ ‬التدريب‭ ‬على‭ ‬مهارات‭ ‬الحوار‭ ‬والاتصال‭ ‬غير‭ ‬العنيف‭ ‬داخل‭ ‬الأحزاب‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭.‬

*‭ ‬وضع‭ ‬ميثاق‭ ‬شرف‭ ‬إعلامي‭ ‬يلتزم‭ ‬بعدم‭ ‬ترويج‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬والتحريض،‭ ‬مع‭ ‬رصد‭ ‬المحتوى‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬وتوجيه‭ ‬الإعلاميين‭ ‬إلى‭ ‬ممارسة‭ ‬المسؤولية‭ ‬المهنية‭.‬

*‭ ‬تشجيع‭ ‬مبادرات‭ ‬المناصرة‭ ‬لخطاب‭ ‬الوسطية‭ ‬والتحاور‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الطيف‭ ‬السياسي‭ ‬ودعم‭ ‬المنصات‭ ‬الحوارية‭ ‬المفتوحة‭.‬

*‭ ‬دعم‭ ‬مبادرات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬التعايش‭ ‬وقبول‭ ‬الآخر‭ ‬وتوفير‭ ‬فضاءات‭ ‬للدبلوماسية‭ ‬والتواصل‭ ‬بين‭ ‬الفرقاء‭ ‬السياسيين‭.‬

*‭ ‬إطلاق‭ ‬منتديات‭ ‬وطنية‭ ‬دورية‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬صور‭ ‬العداء‭ ‬المتبادلة‭ ‬وبناء‭ ‬تفاهمات‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬المعارضة‭ ‬والأغلبية‭.‬

*‭ ‬إدماج‭ ‬مفاهيم‭ ‬الحوار‭ ‬واحترام‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬المناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬والثقافية‭ ‬لخلق‭ ‬أجيال‭ ‬جديدة‭ ‬تؤمن‭ ‬بمبادئ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحوار‭ ‬البناء‭.‬

*‭ ‬تحفيز‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬خطاب‭ ‬مسؤول‭ ‬يعكس‭ ‬وحدة‭ ‬الوطن‭ ‬ويعزز‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‭.‬