أنور الشرقاوي: بلد بين النور والفوضى

أنور الشرقاوي: بلد بين النور والفوضى أنور الشرقاوي
في ليلة الأول من أكتوبر 2025، ارتجّ العالم د تحت أقدام شباب المملكة المغربية. 
هزموا البرازيل، وأعلنوا أن رايتنا قادرة أن ترفرف فوق القمم، مشرقة أكثر من الشّمس، عالية أكثر من السحاب.
لكن، في اللحظة ذاتها، كانت الشوارع المغربية تغلي بالغضب، بالانتظار المرّ، بالوجوه التي تبحث عن كرامة ضائعة.
أي مفارقة هذه؟ كيف لأمة تهزم البرازيل في المستطيل الأخضر أن تُهزم كل يوم في ميادين السياسة، والعدالة، والتعليم، والصحة؟
دروس التاريخ لا تُمحى 
منذ الاستقلال سنة 1956، والمغرب يكتب فصولاً من نور وعرق ودموع:
في 1956، استعدنا الكرامة والهوية.
في 1975، خطونا في مسيرة خضراء لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، حين توحد العرش والشعب حول قضية وطنية عادلة.
في الثمانينيات والتسعينيات، قهرتنا الأزمات الاقتصادية، فكشفت هشاشتنا الاجتماعية.
في 1999، بزغ عهد جديد، فتح أبواب الحقوق والمشاريع الكبرى والتنمية البشرية.
في 2011، جاء الدستور ثمرةً لنبض الشارع، اعترافاً بأن صوت المواطن ليس رجع صدى بل صرخة حق.
ومع ذلك، عند كل محطة، كان الشعب ينتظر ما هو أعمق: إصلاحات حقيقية، حُكم نزيه، نهاية الامتيازات والصفقات في الظلام.
 
نصر 2025… مرآة مشوّهة 
النصر الكروي لا يمحو التشققات العميقة:
نواب مفصولون عن قواعدهم.
مؤسسات صحية وتعليمية وقضائية تغشاها الضبابية وتلتهمها الشكوك.
شباب، وخاصة جيل "Z"، يرفض أن يكون متفرجاً، ويطالب بمقعد في قاعة القرار.
طبقة سياسية تعيش على الريع والمحسوبية، بينما ينادي الناس بالشفافية والكفاءة والصدق.
هنا تكمن المرارة: حين يلمع المغرب في الخارج، يترنّح في الداخل.
 
الشعب إذا أُصغي إليه صار قوة 
لقد أثبت التاريخ أن المغرب لا يتقدّم إلا حين يُصغي القصر والسلطة إلى الشارع:
في 1956، استمعوا لصوت الاستقلال.
في 1975، استمعوا لصوت الوحدة.
في 2011، استمعوا لصوت الإصلاح.
واليوم، يتكرر الدرس:
الاستماع إلى الشارع ليس ضعفاً، بل قوة.
الحوار مع الجيل الجديد "Z" ليس ترفاً، بل ضرورة وجودية.
 
تنقية الحياة السياسية لم يعد خياراً، بل شرطاً للبقاء. 
ثورة جديدة للملك والشعب 
لا نتحدث عن ثورة لهب ودم، بل عن نهضة وطنية هادئة، راسخة، بروح المسيرة الخضراء ودستور 2011:
ثورة شفافية: كل درهم عام يجب أن يكون مكشوف الوجه، لا مخبأ في جيوب الظل.
ثورة كرامة: على المريض والعاطل والأستاذ والعامل أن يشعروا أن دولتهم تحميهم.
ثورة ثقة: ليعد الرابط بين الحاكم والمحكوم رابطَ عهد لا خيانة فيه.
 
ساعة الحقيقة 
المغرب لا يحق له أن يكتفي بمجد كرة القدم.
إن أردنا أن ننافس القمر، علينا أن ننظف بيتنا من الداخل، أن نصون شبابنا، وأن نقطع يد من يتربص بأمن الوطن ووحدته.
 
في ليلة الأول من أكتوبر 2025، ربحنا مباراة تاريخية.
لكن المباراة الحقيقية لم تبدأ بعد: مباراة العدالة، الشفافية، والإصغاء لصوت الشعب.
إنها الثورة الجديدة، ثورة الملك والشعب، التي وحدها ستعطي معنى لانتصاراتنا… في الملاعب وفي الحياة.