ساركوزي خلف القضبان.. عدالة تاريخية أم انقلاب قضائي يهز فرنسا؟

ساركوزي خلف القضبان.. عدالة تاريخية أم انقلاب قضائي يهز فرنسا؟ الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي
يرتبط النقاش في الظرف الحالي حول "العدالة السياسية" والدفاع عن استقلال القضاء في فرنسا بشكل مباشر بقضية إدانة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، التي أثارت جدلاً واسعاً حول مدى نزاهة وحيادية القضاء الفرنسي. 

وينقسم النقاش بين الدفاع عن القضاة الفرنسيين في مواجهة ما يعتبره البعض ضغوطاً أو هجمات سياسية، خاصة مع تصاعد الخطاب الحاد ضد القضاء في القضايا الكبرى. في حين يتهم البعض المؤسسة القضائية بأنها أصبحت طرفاً سياسياً، بينما يعتبر آخرون أن القضاء الفرنسي يتجه نحو الاستقلال والمهنية أكثر من أي وقت مضى.

وحُكم على نيكولا ساركوزي في شتنبر 2025 بالسجن خمس سنوات بتهمة "التآمر الجنائي" المرتبطة بتمويل حملته الانتخابية عام 2007 بأموال يُزعم أنها من نظام معمر القذافي. يأتي هذا الحكم بعد سلسلة من المحاكمات التي طالت ساركوزي منذ مغادرته الرئاسة، حيث أُدين أيضاً سابقاً بتهم فساد وتأثير غير مشروع. 
ويزعم ساركوزي نفسه أن المحاكمة سياسية ويعتبرها "اعتداء على دولة القانون"، مدعياً أنه يتعرض لـ"معاملة خاصة من القضاء"، وهو الخطاب الذي بات يتردد بين خصومه السياسيين وبعض الإعلام الداعم.

وارتفعت حدة الهجمات على القضاة، حتى أن رئيس المحكمة التي حكمت عليه تلقى تهديدات، واستنكرت الجهات الرسمية ذلك دفاعاً عن استقلال القضاء.

ويشير المدافعون عن استقلال القضاء إلى أن إدانة ساركوزي تمثل منعطفاً تاريخياً في تطبيق مبدأ المساواة أمام القانون، حيث أصبح القضاء أكثر قدرة على محاسبة حتى كبار المسؤولين من دون اعتبارات سياسية.

في المقابل، هناك تيار واسع خاصة في الأوساط السياسية اليمينية، يصف ما حدث بأنه "حملة ممنهجة" أو "انقلاب قضائي"، ويطرح بذلك إشكالية "العدالة السياسية" التي زادت حدتها مع إدانة شخصيات بارزة أخرى مثل مارين لوبان. 

وعززت قضية ساركوزي النقاش المجتمعي حول درجة الثقة بالمؤسسات السياسية والقضائية؛ إذ تبين وفق استطلاعات حديثة أن غالبية الفرنسيين يعتقدون أن السياسيين "غالباً فاسدون"، بينما نسبة محدودة فقط تصف القضاء بالجدير بالثقة.

وأثرت القضية أيضاً على صورة فرنسا دولياً كمثال على تطبيق القانون على الجميع، وأعادت النقاش حول الدور الحقيقي للقضاة في المجتمع الديمقراطي. 

وتبرز إدانة ساركوزي مثالاً صارخاً على الاشتباك بين القضاء والسياسة في فرنسا، وتعكس أهمية الدفاع عن القضاة في مواجهة محاولات التشكيك بنزاهتهم ودورهم في الديمقراطية، في ظل انقسام مجتمعي وسياسي حاد حول المفهوم الحقيقي للعدالة والاستقلال القضائي.