يوسف الإدريسي الحسني: ساركوزي بين القانون والسياسة.. دروس العدالة المستقلة للعالم

يوسف الإدريسي الحسني: ساركوزي بين القانون والسياسة.. دروس العدالة المستقلة للعالم يوسف الإدريسي الحسني
قضية نيكولا ساركوزي، الذي أدانته محكمة باريس بالسجن خمس سنوات إثر ثبوت مشاركته في جمعية أشرار بهدف الحصول على تمويل أجنبي لحملته الانتخابية عام 2007، تمثل نموذجا فريدا لتجسيد مبدأ سيادة القانون على الجميع، مهما كانت مكانتهم السياسية أو الاجتماعية. المحكمة، التي اعتمدت في حكمها على المواد 450 وما يليها من القانون الجنائي الفرنسي، لم تكتفِ بإدانة الشخصيات المتورطة فحسب، بل أرسَت معيارا قانونيا دقيقا للفصل بين الاتفاق على ارتكاب جرم وتم التنفيذ الفعلي له، حيث تم تبرئة ساركوزي من التهم الأخرى المتعلقة بالفساد وتمويل الحملة غير القانوني نظرا لعدم كفاية الأدلة، مما يظهر التزام القضاء بدقة الإثبات وصرامة الفصل بين التهم المختلفة.
 
الحكم، الذي شمل أيضا غرامة مالية قدرها 100 ألف يورو، نافذ قانونيا رغم الحق في الاستئناف، وهو ما يؤكد أن العدالة الفرنسية لا تتردد في تطبيق العقوبات حتى على أعلى المسؤولين، مع إتاحة فرصة للطعن في القرار بما يحقق التوازن بين حقوق الدفاع ومبدأ المسؤولية الجنائية. هذه الواقعة تحمل عبرة هامة للدول الأخرى: فالقوانين التي تحمي نزاهة الانتخابات وتعاقب التمويل الأجنبي غير المشروع ليست مجرد نصوص نظرية، بل أدوات عملية لضمان ثقة المواطنين في مؤسساتهم، ولتأكيد أن أي اختراق لهذه الثقة يعرض المسؤولين للعقاب دون استثناء.
 
من هنا، يمكن القول إن تجربة فرنسا في هذه القضية تعلمنا درسا عالميا في استقلال القضاء وشفافية الإجراءات الانتخابية، كما تؤكد أن مكافحة الفساد تتطلب إرادة سياسية وقضاء نزيه قادر على الفصل بين القانون والسياسة دون خوف أو محاباة. وفي هذا السياق، يمكنني القول: "من يحمي القانون اليوم يحمي الديمقراطية غدا"، وهي مقولة تلخص أهمية احترام نصوص القانون والالتزام بها، ليس فقط كواجب وطني، بل كدرس حضاري للدول جميعا، لتعزيز سيادة القانون وحماية مؤسساتها من استغلال السلطة لمصالح شخصية.
يوسف الإدريسي الحسني،  رئيس الجمعية الفرنسية المغربية لحقوق الإنسان