زينب البهي: حين تتحول الأطر الصحية إلى مشانق معلّقة لفشل السياسات

زينب البهي: حين تتحول الأطر الصحية إلى مشانق معلّقة لفشل السياسات زينب البهي
لم يعد خافيا أن الحكومة، بدل أن تواجه الأسئلة الجوهرية حول مأزق المنظومة الصحية، آثرت أسهل الطرق: نصب المشانق الرمزية للشغيلة الصحية، وتقديمها في صورة “المُقصِّرة” و”المُتخاذلة”، لتصنع منها شماعة تعلق عليها فشل السياسات العمومية. هذا الخيار لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتاج رؤية تعتبر الصحة مجالاً استثمارياً لا حقاً اجتماعياً، وتفضل تسليم القطاع للخواص على إعادة بنائه بما يخدم كرامة المواطن.
 
لقد عاين المغاربة جميعا كيف جرى إقبار نظام “راميد” دون بديل حقيقي، وكيف تحول الحق في العلاج إلى ترف تحدده القدرة الشرائية. 
وبينما يعاني المواطن من “التعرية الصحية”، يُفتح الباب واسعا أمام منطق السوق، وتسوّق وصفة الخصخصة باعتبارها الحل السحري. غير أنّ هذه الوصفة تخفي وجها آخر أكثر خطورة: شيطنة الأطر الصحية وتحويلها إلى كبش فداء، بدل محاسبة من صاغ السياسات وأدار القطاع لعقود.
 
إنّ الخطاب الرسمي الذي يروج اليوم لا يكتفي بالتنصل من المسؤولية السياسية، بل يُوجّه رسالة خطيرة للمرتفقين، تُحرّضهم – بشكل مباشر أو غير مباشر – على النظر إلى الممرض والطبيب والتقني باعتبارهم سبباً في تردي الخدمات. وهكذا يُزرع بذور التوتر داخل المرفق العمومي، ويُستبدل النقاش حول التدبير والتمويل والحكامة بلغة الاتهام والتخوين.
 
في مقابل ذلك، ما يغيب عن خطاب الحكومة أنّ هذه الشغيلة نفسها كانت سبّاقة إلى دق ناقوس الخطر، عبر إضرابات واحتجاجات متكررة، نبّهت إلى الأعطاب البنيوية التي أصابت المنظومة الصحية، وحذّرت من تحويلها إلى مجال للمتاجرة.
 
لم تكن تلك الاحتجاجات تعبيرا عن مصالح ضيقة، بل عن إدراك عميق بأنّ انهيار المنظومة سيحرم المواطن من حقه الأصيل في العلاج.
اليوم، بدل أن تفتح قنوات الحوار وتبنى الثقة مع الأطر الصحية، نُصبت مشانق سياسية وإعلامية، لتقدَّم الشغيلة قربانا يطهر السياسات من دنس سوء التدبير. غير أنّ الحقيقة تظل أوضح من أن تطمس: لا يمكن لأي منظومة صحية أن تنهض من دون حماية أطرها، وتقدير كفاءاتها، وضمان حقوقها.
 
إن من يصر على صناعة “بروباغندا” حول غياب الأطر إنما يختار الطريق الأسهل للهروب إلى الأمام، لكنه يزرع ألغاما تهدد ما تبقى من ثقة داخل القطاع. فالمواطن لا يحتاج إلى خطابات تُحمِّل الممرض أو الطبيب وزر السياسات الفاشلة، بل إلى إصلاح عميق يُعيد الاعتبار للصحة كحق دستوري، لا كصفقة اقتصادية.
 
إنّ إصرار الحكومة على صناعة خطاب يحول الأطر الصحية إلى شماعة جاهزة، لا يُخفي فقط عجزها عن تقديم حلول واقعية، بل يكشف إرادة واعية في التملص من مسؤولياتها الدستورية. فالمشكل لم يكن يوماً في الطبيب أو الممرض أو التقني، بل في السياسات التي أفرغت القطاع من محتواه الاجتماعي. وعليه، فإنّ السؤال الذي لا مهرب منه اليوم هو:
 
متى تمتلك الحكومة الجرأة للاعتراف بفشل خياراتها، وفتح ورش إصلاح حقيقي يعيد الاعتبار للقطاع العمومي، بدل الاكتفاء بتعليق فشلها على أعناق من حافظوا على ما تبقى من روح المنظومة الصحية؟
زينب البهي، باحثة في علم النفس