الحطاب: السِّلم، بحُكم قوة الواقع، تحوَّلت من قيمة إنسانية إلى قيمة خيالية لا تتجاوز حدود منظمة الأمم المتّحدة

الحطاب: السِّلم، بحُكم قوة الواقع، تحوَّلت من قيمة إنسانية إلى  قيمة خيالية لا تتجاوز حدود منظمة الأمم المتّحدة أحمد الحطاب
عنوان هذه المقالة يُبيِّن لنا أن السِّلمَ la paix، كقيمة يريد جميع الناس وجميع البلدان الاستِفادة منها، أصبحت كلمةً لها علاقة ببلاغة rhétorique اللسان, مُقارنةً بما هي عليه في الواقع المحض المعاش la  réalité puer et simple vécue. ولا داعيَ للقول أن هذه البلاغة، هي التي جعلت السلمَ مفهوماً متطايراً volatile أو خياليا imaginaire, وقد أقول لا وجودِ له في الواقع الملموس الذي تتجابه فيه الأفكارُ les idées والرؤيات les visions والمصالح les intérêts. وهنا، أغتنِم هذه الفرصة لأقولَ إن الواقعَ الملموسَ علَّمنا أن المصالحَ لها الأولوية على الأفكار والرؤى. بمعنى أن أية فكرة أو أية رؤية، بشرية، وكيفما كانت حكيمة، لا يمكن أن تتعارضَ مع مصالح شخصٍ أو جماعة أشخاص أو مع مصالح دولة ما أو جماعة من الدول.
 
ومن المعروف أن جماعة الدول التي صنَّنفت نفسَها من المُنتصرين les vainqueurs في الحرب العالمية الثانية، هي التي ألغت "عصبة الأمم" la société des nations وأنشأت محلَّها "مُنظَّمة الأمم المُتَّحدة" l'Organisation des  Nations Unies. وفي قاعة هذه المُنظَّمة يتعاقب الخطباء les orateurs الأمَمِيون لتمجِيدِ glorification وأنسَنَة humanisation السِّلم ورفعها إلى درجة القيم السامية les valeurs suprêmes التي تتمتِّع بها دولةٌ ما، وتفتخِر بها كقيمة أساسية لحقوق الإنسان. غير أن هذه القيمة (السلم)، مهما بلغ تمجيدُها في العُلا، تبقى سجينةَ الخُطَب البلاغِية les discours éloquents، وبالتالي، سجينةَ قاعة منظَّمة الأمم ألمتحدة. لماذا؟
 
لأن أية دولة أو مجموعة دول، مجموعة السَّبعة G7 مثلا، لا ترى "السِّلمَ" la paix من خلال رؤيةٍ إنسانية، لكن، من خلال رؤيةٍ اقتصادية محضة، أي بكل وضوحٍ، من خلال رؤيةٍ تعطي الأولوية للمصالح (السياسية، الاقتصادية، التِّكنولوجية، الاستراتيجية، الجيواستراتيجية، الجيوسياسية، الهيمَنِية…) لدولة من الدول. فإذا فكرنا أن مجموعةَ السبعة G7 و ال"بريكس" BRICS، مثلاً، يكرسان أعمالَهم وجهودَهم من أجل منفعة الإنسانِية، فهذا شيءٌ مُجانِب للحقيقة. مجموعة السبعة وال"بريكس" مجموعتان تمَّ إنشاؤهما، لمعرفة مَن منهما له القدرة على السيطرة على العالم، من وِجهة نظر اقتصادية. إلى حدِّ الآن، مجموعة السبعة هي التي تستفيد من هذه السيطرة.
 
ولا داعيَ للتوضيح أن مصالحَ دولة ما لا تعترف بالأحاسيس ne reconnaît pas les sentiments. الأحاسيس يمكن التعبير عنها في الخُطَب لكن ليس في الواقع. وهذا الواقع يخضع لبراغماتيةٍ un pragmatisme، هي،  في نفس الوقت، مشروعة وغير مشروعة. مشروعة لأن العالمَ هكذا يسيرُ، بمعنى أن الإيثارَ l'altruisme لم يعد موجودا على قائمة القيم الإنسانية والأخلاقية، وحتى إشعار آخر، القوي دائما على حق، كما قال ذلك La Fontaine. وغير مشروعة لأن البراغماتية تتناقض مع المبادئ والقيم التي أُسِّسَت عليها/من أجلها منظمة الأمم المتحدة. فهناك، إذن، مشكل أخلاقي moral وأخلاقياتي éthique، الذي يُحدث تفاوتاً un décalage بين ما هو مرغوبٌ فيه وبين واقع شديد البراغماتية.
 
ما هو مرغوبٌ فيه، وهْمٌ وخيالٌ، لم يتحقق منذ قرون، وبالأخص، منذ نهاية القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي بدأ فيها الاقتصادُ، كعلم، في طورِ التكوين، وترعرعت فيها، كذلك، العلوم البحثة والتطبيقية والتِّكنولوجيا، وأصبح لكل هذه العلوم إنجازات غير مُنتَظَرة des performances inattendues.
 
فترات للأمم، في الأفق، مُتمنيات des vœux ورغبات des désirs أو إرادات des volontés التي لم تكن تحلم بها دولةٌ في الماضي. الأمر بسيط! يكفي إعطاءُ، حين تدبير الشأن العام، أهمِّيةٍ، سياسياً، للجمع بين ألاقتصاد، كعلمٍ، والعلوم البحثة والتطبيقية والتِّكنولوجيا، لكي تتحقق هذه المتمنيات والرغبات والإرادات.
 
من بين هذه الأخيرة (المتمنيات، الرغبات والإرادات)، ما هو مُهم وله مردودية وفيه نفعٌ للدولة، هو إعطاء الأولوية la primauté للمصالح الوطنية. في هذه الحالة، لا شيءَ يعلو على هذه المصالح، وحتى السلم الذي يتم تمجيدُها في قاعة الأمم المتحدة.
 
فبمجرد ما تنتهي خُطب تمجيد السلم وبمجرد ما تضع الأمم رجلَها خارج حدود مبنى الأمم ألمُتحدة، يحتلُ الواقع البراغماتي المشهد السياسي، وبالتالي، تحتلُّ المصالح الوطنية الصدارةَ، في هذا المشهد.
 
والآن، سأُُوافيكم برأيي الشخصي حول مفهوم "السِّلم".
بالنسبة لي، السِّلم، كمفهومٍ، ليس، فقط، قيمة إنسانية شخصية personnelle. بل إنها، في نفس الوقت، جماعية collective، اجتماعية sociale، أخلاقية morale وإنسانية humanitaire.
 
شخصية لأن كل ما يُكدِّر الهدوء والسكينة لشخص ما، يُعتَبَر مزعجاً. جماعية لأنه من المستحيل تَخَيُّلُ تساكن وتعايُش اجتماعيين، بدون سلمٍ، أي بالمعنى الذي تُعطيه المنظَّمة لهذا المفهوم في ميثاق تأسيسها. جماعية، كذلك، لأن العدو اللذوذ لأية دولة، هي الحرب، كيفنا كانت أسبابُها. والمثال الحي، في هذا الصدد، هو الحرب الروسية الأُكرانية، علما أن جزأً من هذه الحرب، هو حىبٌ بالوكالة. أليست هذه الحرب مُواجهة بين طائفتين، كلاهما يدافعان عن مصالحهما المتمثِّلة، أولا، في الهيمنة على أطراف كبرى من العالم، وثانيا من بسط النفوذ ألاقتصادي، الجيوسياسي و الجيواستراايجي.
 
فأين توجد السلم في هذا الوضع المعقد اجتماعياً، أخلاقيا وإنسانياً؟ فماذا يُقال عن إسرائيل التي تقود حربَ إبادةٍ ضد الشعب الفلسطيني؟ أليست حربا يتم فيها الدفاع عن مصالح لها علاقة بالهيمنة؟