كان الملك محمد السادس، قد وجه يوم الثلاثاء 29 يوليوز 2025، خطابا إلى الشعب، بمناسبة عيد العرش الذي يصادف الذكرى السادسة والعشرين لتربع الملك على العرش. ومما جاء في الخطاب الملكي قوله: "لقد حان الوقت لإحداث نقلة حقيقية، في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية...لذلك ندعو إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة." وأكد ملك البلاد على أنه "ينبغي أن تقوم هذه البرامج، على توحيد جهود مختلف الفاعلين، حول أولويات واضحة، ومشاريع ذات تأثير ملموس، تهم على وجه الخصوص:
1 ـ دعم التشغيل، عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي.
2 ـ تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خاصة في مجالي التربية والتعليم، والرعاية الصحية، بما يصون كرامة المواطن، ويكرس العدالة المجالية.
3 ـ اعتماد تدبیر استباقي ومستدام للموارد المائية، في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي وتغير المناخ.
4 ـ إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج، في انسجام مع المشاريع الوطنية الكبرى، التي تعرفها البلاد.
علاقة بهذه المحاور الأربع التي جاءت في خطاب العرش، واستحضارا لمشروع برنامج "حلول مبتكرة للتنمية الجهوية" الذي اقترحته منظمة التعاون الألماني بعد التوقيع على حروفه الأولى في نونبر 2019، بين الحكومة المغربية والجمهورية الفيدرالية الألمانية، والذي اختارت لتنزيله ثلاث جهات بالمملكة المغربية، من بينها جهة "مراكش أسفي"، حيث يمتد هذا المشروع على مدى ثلاثة سنوات ـ2024 إلى 2027ـ في أفق دعم الجهة من خلال إنجاز أولوياتها التنموية.
وفي سياق اللقاءات التي تنكب عليها عمالة إقليم اليوسفية لإعداد مخطط تنموي ـ تتقدم جمعية تراث أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية باليوسفية بمقترحاتها من أحل فتح نقاش عمومي حول التنمية الجهوية بجهة مراكش أسفي، للترافع عن مقدرات إقليم اليوسفية وما يزخر به من معطيات تاريخية ومجالية، ونظرتها المتواضعة لمعالجة بعض المشاكل مع تقديمه لحلول مبتكرة.
الجهة تستحوذ على مراتب متقدمة في هذه الأقطاب والمجالات
تثمّن جمعية تراث أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية باليوسفية جميع المداخلات التي تغني النقاش الهادف والمثمر حول آفاق التنمية بإقليم اليوسفية برؤية جهوية بشراكة مع منظمة التعاون الألماني والقطاعات الحكومية والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية. على اعتبار أن ما أثير في العروض التي قدمت، هو تلك الأرقام التي تم بسطها كمدخل لهذا اللقاء التشاوري والتواصلي بخصوص مشروع التنمية الجهوية بجهة مراكش أسفي.
من المعلوم أن تصنيف جهة مراكش أسفي حسب الوثائق الرسمية، وحيازتها على المرتبة الأولى كقطب للصناعة السياحية، أو في الرتبة الثانية كقطب فلاحي زراعي، أو في الصف الثاني على مستوى الصناعات الكيماوية، أو كأول قطب على مستوى الصناعة التقليدية...فذلك بالنسبة لجمعية تراث أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية يشرف الجهة بطبيعة الحال، ويحق لجهتنا أن تفتخر بهذا التصنيف والترتيب الجهوي والمحافظة عليه بتعزيز وتقوية الاشتغال على المشاريع ذات الأولوية.
إن فخر جهة مراكش أسفي وتألقها في هذه المرتبة المتعددة الأقطاب، يتمثل في العديد من المعطيات المشرقة ذات الأهمية البالغة على المستوى التاريخي وتتمثل في ستة مفاتيح وهي كالتالي:
1 ـ المفتاح الأول: أن جهة مراكش أسفي هي التي تم فيها العثور ـ تحديدا بجماعة إيغود بإقليم اليوسفية ـ على أقدم إنسان في العالم. وهو إنسان إيغود ـ 315 ألف سنة ـ مما يتعين معه الإنكباب والإشتغال على جعل المنطقة قبلة للباحثين والدارسين والسياحة العلمية والثقافية.
2 ـ المفتاح الثاني: أنها الجهة التي كانت سباقة لدخول الإسلام، سواء أخذنا برواية المؤرخين الذين تحدثوا عن حضور شاكر الأزدي رفقة عقبة بن نافع الفهري، أو عن الرواية التي تتحدث عن رجال ركراكة الذين كان لهم تواصل مع الرسول ـ صلعم ـ حيث حملوا معهم كتابا قرأوه بمنطقة سيدي شيكر على المصامدة وبطبيعة الحال كانت له إيجابياته.
3 ـ المفتاح الثالث: أنها الجهة التي عرفت زراعة قصب السكر، خلال القرن السادس عشر، إلى جانب تمديد سواقي الرّي.
4 ـ المفتاح الرابع: أنها الجهة التي يوجد بها سد أﮜُوﮜْ ، الذي لا يذكره الكثير من ساكنة المنطقة، بل لا يذكرون القنطرة التي توجد عليها السّاقية والتي ترجع فترة إنشائها إلى القرن السادس عشر.
5 ـ المفتاح الخامس: أنها الجهة التي احتضنت مدرسة العلويين بمدينة الشماعية، والتي درس بها أغلب السلاطين والأمراء العلويين الذين عاشوا في القرن التاسع عشر، ابتداء من السلطان المولى سليمان، إلى السلطان مولاي عبد الحفيظ. لكن من المؤسف اليوم أن هذه المعلمة التاريخية التي تكون فيها هؤلاء السلاطين والأمراء وأبناء النخب في المغرب، لم يعطى لها حقها ومكانتها الاعتبارية من طرف جهة مراكش أسفي.
في سياق متصل تطالب جمعية تراث أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية، بضرورة التفكير في هذه العلمة التاريخية الرائدة على جميع المستويات، والتفكير في هذا التراث الذي نعتز به في إقليم اليوسفية خصوصا بعد أن تم إدراج مدرسة الأمراء كتراث وطني من طرف وزارة الثقافة والشباب والتواصل. ولا تنتظر اليوم سوى إعادة بناء مرافقها واصلاحها وترميم ما تبقى منها كرابط تاريخي له أهميته التراثية.
6 ـ المفتاح السادس: أنها الجهة التي كانت ومازالت تزخر بمادة الفوسفاط منذ الثلاثينيات، مما يستدعي استرجاع مكاسب وحقوق ساكنة اليوسفية على مستوى التشغيل والخدمات الاجتماعية والبيئية والثقافية والفنية...كمدخل أساسي للمصالحة مع محيط المجال والإنسان والذاكرة.
ومادام الشيء بالشيء يذكر، فإن جمعية تراث أحمر تشدد على أهمية فتح شرايين الطرق بإقليم اليوسفية على منطقة "سِيدْ الزّْوِينْ" من خلال تعزيز الطريق المتجهة من منطقة سيدي شيكر، في أفق ربط جسور التواصل بين ساكنة الجنوب بإقليم اليوسفية ومدنية مراكش عبر واد تانسيفت وهذا سيكون مفيدا.
أما بخصوص محور خلق فرص الشغل للشباب بإقليم اليوسفية، فأن الجمعية تؤكد على أنه، إن كان مشروع التنمية الجهوية يتحدث عن التشغيل، ويبحث عن فرصها، فعليه الاهتمام بجدية بالمآثر التاريخية، والمواقع البيولوجية والإيكولوجية، فضلا عن المواقع السياحية ذات الصبغة الأركيولوجية ومآثر أخرى ذات صبغة صوفية كرباط شاكر، وأيضا ذات الصبغة البيئية مثل محمية الطالعة، وسبخة زيمة إلى جانب السدود المتواجدة بالمنطقة...فلابد أن يتم استحضارها بقوة في التخطيط والبرمجة، وأن يعطى لها حقها في الاهتمام والبرمجة والتنفيذ.
دائرة أحمر في الحاجة إلى مستشفى إسوة بدائرة الكنتور
إن جمعية تراث أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية باليوسفية تطالب بإلحاح بالتفكير في حق أساسي من حقوق الإنسان وهو الحق في الصحة، رغم حداثة الإقليم الذي ترقى سنة 2009، ويتعلق الأمر بإحداث مستشفى بدائرة أحمر، من أجل أن يستوعب عدد الساكنة التي تنتمي لهذا المجال الشاسع الأطراف، في أفق إعفاء المواطنات والمواطنين من التنقل يوميا صوب مدينة أسفي أو مراكش من أجل البحث عن فرصة علاج وتطبيب، وحتى لا يظل الإنسان الحمري بصفة خاصة مقهورا في غياب مستشفى وموارد بشرية تقرب له الخدمة الصحية.
في الحاجة إلى بناء سدين بمركز الكنتور ومركز رأس العين
ومن أجل تحقيق مشروع حماية جماعة ومركز رأس العين من الفيضانات، فإن الجمعية تطالب ببناء سد تلي ستكون له فوائد كثيرة بجماعة الكنتور، حيث سيلعب دور الحدّ من مياه الفيضانات التي تتجه إلى مركز جماعة رأس العين، وسد تلي آخر برأس العين على اعتبار أن مجموعة من الأودية تحمل مياها كثيرة تأتي من هضبة الكنتور، خصوصا أن التجربة السابقة في بناء ثلاث سدود بالمنطقة توفر اليوم ما يقارب 600 مليون متر مكعب. ولهذه الإعتبارات فإن الجمعية تشدد على أن فيضانات واد كاشكاط في أمس الحاجة إلى بناء سدين لتستفيد منهما المنطقة والفرشة المائية إلى جانب توفير فرص شغل.
التخطيط المستقبلي بالجماعات الترابية بإقليم اليوسفية
إن جمعية تراث أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية تصر على ضرورة التفكير والتخطيط في تدبير المجالات والمراكز المتواجدة بإقليم اليوسفية برؤية مستقبلية، وأن تعطى لها الأهمية من طرف جهة مراكش أسفي، في علاقة بالبعد الاستراتيجي على مستوى التخطيط العمراني والحد من العشوائية، من خلال الحرص على إحداث تجزئات سكنية بمواصفات تكون قادرة على حل المشاكل المستقبلية بشوارع وأزقة فسيحة وواسعة تستوعب منسوب النمو الديمغرافي، وارتفاع حركة استعمال السيارات والمركبات.
المسارات والمسالك السياحية بجهة مراكش أسفي
وتتساءل جمعية تراث أحمر باليوسفية، عن مفهوم استمرارية الإدارة ومؤسساتها المنتخبة، حيث كانت جهة مراكش أسفي قد تبنت مشروعا واعدا على مستوى المسارات والمسالك السياحية بإقليم اليوسفية، والتي كانت تتجه من مدنية أسفي عبر "واد تانسيفت" في اتجاه أقاليم الصويرة وشيشاوة ثم اليوسفية مرورا بالحوز ومراكش، على اعتبار أن المطلب كان حينئذ هو أن يمتد هذا المسار السياحي إلى حدود قلعة السراغنة في اتجاه الرحامنة...فما هو مصير هذا المشروع السياحي؟
في الحاجة إلى التمليك واسترجاع حقوق المرأة على مستوى الإرث؟
انطلاقا من الإحصاء والأرقام الرسمية فإن نسبة الساكنة الحضرية بإقليم اليوسفية لا تتجاوز 33 في المائة ـ مدينة اليوسفية والشماعية ـ والباقي يشكل تقريبا 77 في المائة من ساكنة العالم القروي، إذ تؤكد جمعية تراث احمر للتنمية والأعمال الاجتماعية ـ في هذا السياق ـ بأن هذا المشكل لا يتوقف هنا على مستوى الأرقام والنسب المتباينة، بل يتعداه إلى طبيعة الاقتصاد الذي تعتمده ساكنة العالم القروي بالإقليم، والمرتبط بالفلاحة وتربية المواشي، مما يجعلنا نسلط كشافات الضوء على المشكل الأساسي المتعلق بطبيعة الأراضي الفلاحية بهذا الإقليم في علاقة بالزراعة وتربية المواشي. على اعتبار أن أكثر من 71 في المائة هي أراضي الجموع أو أراضي الجماعات السلالية، حيث نعرف أن هذا النوع من الأٍراضي لا يشجع على الإنتاج ولا على الاستقرار بإقليم اليوسفية لأن الإنسان غير مطمئن على الأرض.
إن مشاكل هذا النوع من الأراضي ينعكس أيضا على نساء العالم القروي، لأن المرأة بالمنطقة ليس لها الحق في الإرث، حيث يعتبر هذا المشكل تمييزا خطيرا على المستوى الاجتماعي والحقوقي مما يعرقل كل تنمية مرتبطة بالعالم القروي حين يتم اغتصاب حق النساء القرويات في الإٍرث. في حين أن الرجل له كامل الحق في إرث أراضي الجموع والأراضي السلالية. مما يستوجب معه حل هذا المشكل الذي يعرقل التنمية المحلية.
تشجيع الشباب على الاستثمار في المقالع المعدنية بإقليم اليوسفية
إن جمعية تراث أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية ترى بأن العالم القروي بإقليم اليوسفية يعتبر منطقة عبور فقط، وهذا هو واقع الحال للأسف الشديد، على اعتبار أن أغلب الساكنة القروية اختارت أن تبحث عن الشغل بعدة مدن مثل أكادير والدار البيضاء وأسفي ومراكش وتعتبر المجال القروي مجرد منطقة عبور لا غير. وهذا هو واقع إقليم اليوسفية الحقيق. رغم ما تحقق من مجهودات جبارة على مستوى البنيات التحتية من طرقات ومؤسسات تعليمية وصحية...فضلا على أن الإقليم يتوفر على مقدرات معدنية هامة مثل "الجبص والبارتين" ومن الواجب تشجيع الشباب على الاستثمار في المقالع المعدنية ودعم مقاولاتهم الصغيرة والمتوسطة ضمانا للاستقرار.
أحمد فردوس، رئيس جمعية تراث أحمر للتنمية والأعمال الاجتماعية باليوسفية