مخافي: هوامش على هجوم قطر ومؤتمر الدوحة مرة أخرى يؤكد القادة العرب والمسلمون أنهم مجرد ظاهرة صوتية

مخافي: هوامش على هجوم قطر ومؤتمر الدوحة مرة أخرى يؤكد القادة العرب والمسلمون أنهم مجرد ظاهرة صوتية حسن مخافي
محاولة اغتيال قيادة حماس في قطر لا تخرج عن القاعدة العامة التي يعمل بها الكيان الصهيوني قبل نشأته وبعدها، ومفادها تتبع قادة المقاومة وتصفيتهم بغض النظر عما ينص عليه القانون الدولي بهذا الخصوص، ما دام مجلس الأمن عاجزا عن اتخاذ أي قرار يدين فعليا هذه الممارسات المتعارضة مع حقوق الإنسان كما تعارف عيها دوليا. وهي القوانين التي باسمها تم الإجهاز على أنظمة عربية لم تعرف دولها الاستقرار إلى الآن.
 
هجوم قطر جاء في وقت تستمر فيه الحرب على غزة منذ ما يقرب من سنتين دون أن تحقق حكومة نتنياهو الفاشية أيا من الأهداف التي أعلنتها. فالمقاومة ما زالت تحافظ على عنفوانها والأسرى الإسرائيليين مازالوا بحوزتها. والأهم من ذلك كله أن القضية الفلسطينية عادت إلى واجهة الأحداث الدولية وأصبحت تتصدر العناوين الرئيسية لنشرات الأخبار في كل بقاع العالم، وأضحت مدار حديث المؤتمرات العالمية واهتمامها، وبالرغم من الأثمان الباهظة التي يدفعها الفلسطينيون يوميا من أرواحهم، فإن الحرب على غزة حركت الضمير العالمي الذي يبدو أنه بدأ يستفيق من عملية التنويم الذي مارسته عليه وسائل الإعلام الصهيونية أو المتصهينة، التي اطمأنت لمدة غير يسيرة إلى أنها قادرة على صناعة رأي عام دولي مدجن، يصدق ما تدعيه منابرها من مزاعم.
 
يعرف أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس الحاليون منذ توليهم مسؤولية التدبير السياسي لما بعد 7 أكتربر، بأنهم التعبير عن الصوت المعتدل والواقعي في كل مرحلة من مراحل التفاوض غير المباشر مع الكيان الصهيوني، فقد باتوا مؤمنين أكثر من أي وقت مضى بحل متفاوض عليه، يعيد الأسرى إلى ذويهم، ويحقق انسحاب القوات المحتلة من غزة ويرفع الحصار عن أهلها بشكل يضمن لهم العيش على أرضهم بسلام وكرامة. وفي هذا ميل إلى حل واقعي يستحضر الشروط الموضوعية وموازين القوى التي تحول دون تحقيق الأهداف الفلسطينية فورا ودفعة واحدة. لذلك أصبحوا متشبثين بالمبدأ القائل: ما لا يدرك كله، لا يترك جله.
 
ومع كل هذا رأت فيهم حكومة نتنياهو الفاشية خطرا داهما، فقررت تصفيتهم جريا وراء أهداف وضيعة ذات أبعاد قريبة، تلخص أزمة الكيان الصهيوني الذي أصبح مشغولا بتدبير ما هو يومي، ولم يعد يلتفت إلى المرامي البعيدة التي ترتبط بوجوده باعتباره كيانا غاصبا.
 
لقد أرادت الحكومة الصهيونية بعملية قطر صرف النظر عن هزيمتها الكبرى على الأرض، إذ تؤكد الأحداث يوما بعد يوم أن القوات الصهيونية دخلت غزة ولكنها لا تعرف لحد الآن كيف تخرج منها، وأن خسائرها البشرية في تصاعد مستمر، إلى الحد الذي جعل بعض مجنديها يفضلون السجون على الذهاب للقتال في غزة. هذا فضلا عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تنتظر المستوطن الصهيوني والتي تنهك جيبه بالغلاء والتضخم والبطالة وغيرها.
 
من هنا يلاحظ المتتبعون للشأن الصهيوني، أنه لأول مرة يخوض فيها هذا الكيان الغاشم حربا لا يحصل عليها الإجماع في أوساطه. بل إنها خلقت شرخا اجتماعيا وسياسيا يهدد الكيان من الداخل، تعبر عنه المظاهرات والاعتصامات اليومية التي تخرج احتجاجا على السياسة الرعناء التي ينهجها مجرمو الحرب الذين يقودهم اليمين الصهيوني المتطرف.
 
إن هذا يؤكد أن حكومة نتنياهو باتت معزولة عن قاعدتها الانتخابية وأنها حكومة أقلية من حيث شعبيتها. وإذا أضفنا إلى هذا أن مستقبل بعض أعضاء هذه الحكومة مرهون بالاستمرار في هذه الحرب القذرة أو بالسجن، وأن بعضهم الآخر يصر على خوض حرب الإبادة هذه إيمانا بالعقيدة التلمودي: "أقتل كي تكون..."، أدركنا أن الحاجة إلى خلق حدث من حجم تصفية قيادة حركة حماس كانت ماسة، كي يستمر عتاة اليمين الصهيوني المتطرفون في الحكم.
 
يتضح هذا كله عندما نستحضر أن عملية قطر جرت في أوج المفاوضات التي كان من المفروض أن يخصص لها اجتماع في المكان المستهدف. فكيف يمكن لعاقل أن يستسيغ أن طرفين يتفاوضان ولو بشكل غير مباشر، يلجأ أحدهما إلى محاولة تصفية الطرف الآخر، ليصبح بدون محاور. إن هذا دليل على أن المفاوضات التي كانت تجري من أجل إيقاف الحرب على غزة ليست سوى حديث الليل الذي يمحوه النهار، وأن حكومة الكيان الصهيوني تخوض المفاوضات فقط من أجل إسكات أهل الأسرى الصهاينة واستمالة الرأي العام الدولي وكسب مزيد من الوقت لقتل المزيد من الفلسطينيين.
فكيف يحق للفلسطينيين بعد اليوم أن يتفاوضوا مع خصم يفاوضهم في النهار ويبيت لهم القتل بالليل؟ وكيف للوسطاء العرب أن يقنعوا الفلسطينيين مرة أخرى بالجلوس إلى طاولة الحوار، وقد قضى نتنياهو وعصابته على كل فرصة يمكن أن تؤدي إلى وقف الإبادة الجماعية في غزة؟ وكيف لبعض الحكومات العربية التي تمارس كل أشكال الضغط على القادة الفلسطينيين أن تقنعهم بعد اليوم بجدوى المفاوضات؟
 
لقد كان على القادة العرب والمسلمين المجتمعين في قطر، أن يقروا بحل لا ثاني له، هو دعم الفلسطينيين بما يحتاجونه من مساعدات إنسانية وسلاح من أجل الصمود في وجه هذا العدو الذي لا يؤمن إلا بالقوة، وأن يدعوا لغة الحياد التي تستعمل في موضع لا يصح فيه الحياد، وأن يضعوا في اعتبارهم أن حدود الأطماع الصهيونية لا تقف عند غزة والضفة الغربية فحسب، وإنما تمتد إلى كل الأقطار العربية. فما غزة والضفة سوى الجبهة الأمامية في حرب قد تطول وتمتد جغرافيا على طول العالم العربي وعرضه، إذا بقي الموقف الرسمي العربي الإسلامي على ما هو عليه.
 
ولكن القادة العرب والمسلمين الذين توافدوا الدوحة من أجل النظر في تبعات الهجوم على قطر كان لهم رأي أخر، إذ لم يستطع المؤتمر الخروج بنتائج ملموسة تعيد للدول الإسلامية والعربية هيبتها التي انتهكت منذ عقود طويلة، وهكذا انضم المؤتمرون إلى جوقة المنددين والمستنكرين، الذين لا حول ولا قوة سوى الاعتزاز بكونهم ظاهرة صوتية. الغريب في أمر هذه العملية الشنيعة التي فامت بها إسرائيل على قطر لم تمنع دولة قطر نفسها من إيفاد وزير خارجيتها إلى واشنطن كي يأخذ الإذن من أمريكا لعقد المؤتمر. وفي هذا تجاهل للدةر الأمريكي في الحرب على غزة وفي محاولة تصفية القادة الفلسطينيين.
 
إن عملية قطر الفاشلة بالطريقة التي نفذت بها وبالمكان الذي اختير لها، هي إعلان حرب على العرب من طرف الحكام الصهاينة، بقدر ما هو استهداف لأحد مكونات حركة التحرير الفلسطينية، وبالتالي فإنه كان على المجتمعين في الدوحة أن يتخذوا هذه المحاولة نقطة انطلاق لدفعة جديدة في مسار التضامن العربي الإسلامي ضد الصهيونية.
 
إن هذه العملية الدنيئة التي برهنت على استخفاف كبير بكل الأعراف والقوانين الدولية، وأضعفت موقف الوسطاء العرب بوصفهم دعاة للسلام، هي تعبير عن تحد كبير لكل الدول العربية التي تجمعها اتفاقية دفاع مشترك، وعلى هده الدول أن تستخلص الدروس من هذه المحاولة التي لم تكن ترمي إلى تصفية قيادة حماس، بل إنها أتت على ما تبقى من الأمن القومي العربي عندما هوجمت دولة عربية تعتبر صديقة لأمريكا وكانت من السباقين إلى فتح مكتب اتصال إسرائيلي على أراضيها، وقبلت بدور وسيط محايد في قضية لا تقبل الحياد.