منعم وحتي: تعامل وزارة الداخلية مع فيدرالية اليسار يدفع في اتجاه العزوف الانتخابي الحزبي

منعم وحتي: تعامل وزارة الداخلية مع فيدرالية اليسار يدفع في اتجاه العزوف الانتخابي الحزبي الوزير عبد الوافي لفتيت وفي الإطار منعم وحتي
إن التفاوض مع سلطة الدولة، لا على الصعيد المحلي ولا على الصعيد المركزي، يمكن أن يكون مدخلا لحل بعض الأمور العالقة، والتقدم في إنجاز بعض المطالب ولو من موقع المعارضة، وكل شرائع الأرض الديمقراطية تؤشر على حق المعارضة في إيصال تصوراتها والأخذ بها، خصوصا في المنعطفات التي تمس القوانين المنظمة للمؤسسات وتدبير الشأن العام.
 
لا يخفى على أحد أن فيدرالية اليسار الديمقراطي جسم حي وديناميكي، وتعتبر إحدى التجارب اليسارية الراقية بمعاكستها للمعادلة الإنشطارية التي تعرفها معادلة الفعل الحزبي في المغرب، بقدرة فيدرالية اليسار على تحقيق إندماج حيوي أسقط فكرة الانقسامية اتجاه وحدة حزبية وفكرية متنوعة في قلب طموحات وآمال الشعب المغربي في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة الفعلية.
 
تاريخ فيدرالية اليسار الديمقراطي ومنذ جذور تكويناتها، ولعقود طويلة حبلى بالتجارب في التعاطي مع سلطة الدولة، بين العمل الديمقراطي الجماهيري، والعمل المسلح المقاوم، والاحتجاج في الشارع، والدخول للانتخابات، ومقاطعة الاستفتاءات، والتمثيل في البرلمان، والمساهمة في الحركات الشعبية، وتديير الشأن الجماعي، وتقديم المذكرات والمقترحات المؤسساتية، بل إن النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي هي الأكثر حركية وبقوة اقتراحية فعالة جدا في كل القضايا التي تمس عيش المغاربة، وذلك بشهادة الخصوم السياسيين.
 
إن استفراد وزارة الداخلية بمركزة استشاراتها، وذلك حكرا على كمشة من الأحزاب لإغلاق دائرة تشريعات الانتخابات، ومحاولة استئصال القوة الاقتراحية لفيدرالية اليسار الديمقراطي، لن يمر بسهولة، فتشريع النص القانوني لن يمر بهاته النظرة الاستبدادية بالرأي، ولهذا اليسار النظيف الذي تمثله الرسالة نوافذ أخرى للتعبير عن رأيها. إن هذا التنوع في الأشكال النضالية أعلاه في تاريخ فيدرالية اليسار الديمقراطي هو جزء من قوة التنوع والقدرة على الحركة الذين لا تعي السلطة أنها الدافع الأساسي لهذا الاختيار أو ذاك. فكما قبلنا الجلوس لطاولة التفاوض والاقتراح والتوافق والتفاعل والترافع، يمكن ببساطة وبنوع من غباء السلطة ورعونتها أن تدفعنا لرفض هيمنة الداخلية على مفاصل العملية الانتخابية بصم آذانها عن الإنصات لصوت الحكمة، واحترام آراء حزب الرسالة.. فهذا التعامل الإقصائي يسقط كل حد أدنى للثقة. 
 
الأكيد أن نقطة نظام التي وجهها الأمين العام لفيدرالية اليسار الديمقراطي في هذا السياق، كانت دقيقة، ولازالت لحدود اللحظة في مستوى اللياقة والتوضيح وإشاعة جو الثقة، وهي نقطة نظام تنبه ليس فقط إلى مخاطر عزوف الشباب والمواطنين المغاربة من الانتخابات، بل إلى خطورة ما تقدم عليه سلطة الدولة بالدفع في اتجاه عزوف حزبي مؤسس من الانتخابات، بدعوى التحكم السلطوي وعدم قدرة الداخلية على الإنصات للأصوات التي خارج من يدور في فلكها، بل الأدهى والأمر هو التناقض الصارخ بين خطاب الملك الذي دعى للحوار وبين دائرة الدسائس في الغرف المظلمة التي تقودها الداخلية.. إننا يا سادة أمام نص قانوني جديد يهم المؤسسة التشريعية.
 
لقد قدمت فيدرالية اليسار الديمقراطي مذكرة مطالبها، بعد الحضور في الجلسة الأولى للحوار، وأعلنتها للعموم، بعد أن كانت سباقة في فتح باب الاستشارة الشعبية مع المواطنات والمواطنين لجمع مقترحاتهم في إطار تفعيل الديمقراطية التشاركية، وأرسلتها لمؤسسات الدولة، وعممتها للعموم في ندوة صحفية تفاعلية، وقد ركزت في جوهرها على الحسم مع الفساد الانتخابي، وتنقية الأجواء السياسية بإطلاق سراح كل معتقلي الرأي والحراكات، وأكدت على القطع مع الريع الإنتخابي وهيمنة الأعيان باعتماد المغرب كدائرة وطنية واحدة، قصد الدفع بتنافس البرامج السياسية وتحمل المسؤولية في تنفيذها كتعاقد مع المواطنين، وفي الحد الأدنى تبني الدوائر الجهوية الكبرى، للتمكن من تجديد النخب وتشجيع الشباب والنساء (المناصفة) على دخول غمار الانتخابات بدل عقلية شراء المقاعد من طرف لوبي الفساد. ولن يتأتى هذا التحول النوعي في الانتخابات إلا بإشراف هيئة مستقلة على الانتخابات، من نزهاء الوطن، توكل لها المسؤولية على الانتخابات من الإعداد حتى إعلان النتائج..
 
يمكن أن تكون مذكرة فيدرالية اليسار الديمقراطي قد مست في الصميم الصلاحيات التحكمية الحالية للداخلية في الانتخابات، إلا أن هذا الصراع الديمقراطي صحي جدا، لأن حزب الرسالة يحمل آمال المغاربة في التغيير الديمقراطي، عكس الداخلية التي تقاوم أي تغيير للحفاظ على الاستبداد والتحكم في العملية الانتخابية.
 
إذن على سلطة الدولة أن تخبرنا كيف تريد التعامل معنا، لنبحث في خياراتنا القديمة والجديدة كيف نرد عليها.
في الختام، نستشهد بقصيدة لعمرو بن كلثوم حين قال:
ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا 
فنجهلَ فوق جهلِ الجاهلينا
فلا تدفعونا لما لا نريد.