إدريس الاندلسي: هل سيظل العالم يتفرج على مأساة فلسطين؟

إدريس الاندلسي: هل سيظل العالم يتفرج على مأساة فلسطين؟ إدريس الاندلسي
أشعر كما يشعر من تربطني بهم علاقات جغرافية، أو عرقية، أو إنسانية أن الظلم الاستعماري عدو لجميع سكان الأرض. وجب أن نتذكر أن هزيمة المستعمر الإسباني في معركة أنوال حقيقة تاريخية، وأن تحالف فرنسا وإنجلترا وإسبانيا ارتكب أكبر جريمة سنة 1921 بعد استعمال الأسلحة الكيماوية للقضاء على ثورة كبيرة ساهم فيها آلاف المقاومين من العرائش إلى الحسيمة. ولا زالت آثار الإجرام الاستعماري حاضرة عبر الأمراض التي أصابت الإنسان، والتي لوثت التربة، ولا زالت تتسبب في كثير من أنواع السرطان. وتظل هذه الجريمة شاهدة على بشاعة الغرب الاستعماري الذي يتغنى بالقيم، ويكفر بالمساواة.
 
قال هتلر، وهو يحضر لسطوة ألمانيا المنهزمة في الحرب العالمية الأولى، إن حدود بلاده تصل إلى المدى الذي يمكن الألماني، ذو الأصل الآري، من تحصيل غذائه والسيطرة على الأرض التي تنتج هذا الغذاء. وقال كل منظري الاستعمار في إفريقيا وآسيا وأمريكا نفس الشيء بصيغ مختلفة في المكان، ولكنها ظلت متحدة في الفعل في الزمن بصيغ تترجم الكذب الإمبريالي. استعمرتنا فرنسا، وقامت بكل ما قاله هتلر، ولم تتم محاسبة فرنسا على جرائمها الاستعمارية. استعانت بشبابنا قهراً، وبكثير من تواطؤ أولئك الخونة المغاربة، لمواجهة قوات ألمانيا وللقضاء على قائد تحرير الفيتنام هوشي منه.
 
سرقت فرنسا الاستعمارية كل محصولاتنا الزراعية خلال، وبعد انتهاء سلطة النازية. يتذكر المغاربة من آبائنا وأجدادنا عام المجاعة الذي سمي "بعام البون والزيت الحمراء". و"البون" كلمة فرنسية تعني تلك الوثيقة التي تمكنك من الحصول على كمية قليلة من المواد الغذائية. هكذا هو الاستعمار، وهكذا استمر الكذب المؤسس على تصديق الشعوب المستعمَرة التي ساهمت في تحرير فرنسا بدعم من عملاء الاستعمار. وهكذا تنكرت هذه البلاد لدعم شباب وكهول. فبمجرد سقوط هتلر، عاد المستعمر مستنسخاً من خلايا هتلر ليتنكر لمن حرروا مناطق عدة في فرنسا. وهكذا امتدت أيادي هتلر الفرنسي، عبر جنرالات تولت مهام "المقيم العام" للاستيلاء على مؤسسات البلاد التي ساعدتها، لتقتل الشباب ولتنفي ملك المغرب إلى مدغشقر. وهكذا قرر الشعب أن يتحرر أو أن ينتحر، فكانت لرغبة الفداء بالروح سلطة التغلب على المحتل.
 
وسيظل الحل الوحيد أمام إسرائيل وأمريكا هو القدرة على مواجهة قوة التضحية الفلسطينية بالروح مقابل الانعتاق من همجية الاستعمار الصهيوني الأمريكي. وجب العلم أن ما يجمع أمريكا "الترامبية" بإسرائيل "نتنياهو"، هو همجية بنيوية الأصل في الاعتماد على عنف الكذب وتزوير التاريخ.
 
تمكن قدماء مجرمي الإمبراطورية البريطانية، الذين حوكموا بالنفي إلى أمريكا، من السيطرة على الأراضي، والقيام بحرب عرقية للقضاء على السكان الأصليين من الهنود الحمر بالسلاح والتخدير وإشاعة استهلاك الكحول، بالإضافة إلى التصفيات الجسدية الجماعية. وحين تمكنوا من كل شيء، سيطروا على طرق التجارة البحرية، فنهبوا السفن، ونظموا أساليب قرصنة السفن المحملة بالذهب، إلى أن وصلوا إلى تأسيس أسواق المال والذهب وربطهما بالعقار والصناعات. وهكذا تمكنوا من إعلان استقلالهم عن العرش البريطاني.
 
ولا زلت لا أدري كيف كان المغرب أول من اعترف بهذا الاستقلال في عهد السلطان محمد الثالث (محمد بن عبد الله) سنة 1777. ولا زالت الوثيقة التي تؤرخ لهذا الحدث متاحة للمشاهدة والقراءة في مقر المفوضية الأمريكية التي توجد في بداية الطريق المؤدية إلى "السوق الداخلي لطنجة"، بعد اجتياز ساحة 9 أبريل 1947. ولا زلنا نؤكد لأمريكا أننا أول المعترفين بهم، وأننا أول من وقع معهم سنة 1786 على معاهدة للصداقة والسلم.
 
ولهذا الأمر علاقة بالوعي بموقع المغرب الجيواستراتيجي الذي جعل القوى الاستعمارية تتكالب علينا منذ اتفاقية برلين ومعاهدة الجزيرة الخضراء بين الطامعين في الاستيلاء على المغرب. وظلت أمريكا تتفرج على تقسيمنا رغم السبق التاريخي في الاعتراف باستقلالها. وحضر روزفلت كرئيس لأمريكا في مؤتمر أنفا بالدار البيضاء سنة 1943، ووعد الملك محمد الخامس بدعم استقلال المغرب. لكنه لم يفعل شيئاً، هو ومن خلفوه عندما رجعت فرنسا إلى عنجهيتها الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية.
 
لا زالت صورة انتفاضة 1953 جميلة في تاريخنا. وما أحوجنا إلى أن تصبح هذه اللحظة عنوان انعتاق المسلمين والعرب من العربدة الأمريكية والصهيونية التي لا تكتفي بدعم الاحتلال الإسرائيلي، بل تمتد إلى تحقير كل دول الخليج، بعد أن صنعت كذبة 11 شتنبر 2001، للقضاء على العراق وأفغانستان وسوريا، وتستهدف ليبيا ومصر وسوريا والعراق بعد ذلك.
 
لقد تغير العالم وتعددت مستويات تملك عناصر القوة العسكرية والاقتصادية. "كبرها تصغار"، كلمات تحمل أقوى المعاني في زمن "البريكس"، وفي وقت سيادة الصين التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية. لقد زعزعت هذه القوة كل مستويات التحكم الأمريكي على المجال. لم يتكلم الزعيم الصيني شي جين بينغ كما يتكلم زعماء الغرب، ولكنه عمل بصمت عميق لتحويل قرارات ترامب المتعلقة بالضرائب على الاستيراد إلى قنابل بدأت تتفجر في قطاع الفلاحة والصناعة الأمريكيين، وأصبحت تهدد كل الصناعات التي تتعلق بالجيل الجديد من التكنولوجيا في مجالات الطاقة. والأمر يتعلق أيضاً بصناعات الطائرات والسيارات وكل ما يتعلق بعلوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي.
 
وهكذا أصبحت إسرائيل تدفع بأمريكا إلى عزلة عالمية لا زالت آثارها تظهر بإيقاعات لا يتحكم فيها الغرب. لجوء ترامب إلى أحلام هوليوود في مجال تدبير دولة كبرى، وخضوعه لشباب يسيطرون على واقع من صنع الخيال السيبراني، بدأ يبعده عن واقع السياسة كعلم وممارسة تحتاج إلى ثقافة تاريخية، وليس إلى تملك قدرة في كازينو قمار، أو في حلبة مصارعة تجلب محبي المراهنة على صاحب الضربة القاضية.
 
حلقت الصين بعيداً في مجال ما يسمونه "بالتكنولوجيا فوق الضباب". وأصبح على أبناء مناطق العالم التي تهددها القوى الاستعمارية المتهاوية أن يختاروا طريق الحرير في إطار تعاقدي لضمان السيطرة على مواردهم الطبيعية. إذا لم نختر الانتصار الجماعي، فإننا نمضي حتماً إلى الانتحار الجماعي.