أريري: مستشفياتنا.. مقابر حكومية للمرضى المغاربة!

أريري: مستشفياتنا.. مقابر حكومية للمرضى المغاربة! عبد الرحيم أريري
لا يجهل أحد أن منظومة الصحة بالمغرب تشكو الكثير من «الرّضوض» التي لم تنفع معها لا «بيتادين» ولا «الدوا لحمر» ولا «السحر الأزرق» ولا «حبة حلاوة». هناك تراجع كبير على مستوى الخدمات الصحية، وترهّل المستشفيات الجامعية والعمومية، وسوء توزيع الخريطة الصحية، وسياسة حكومية تنظر باحتقار للقطاع الصحي، بدليل أن الوزراء الذين تعاقبوا على حقيبة الصحة لم يتم إساقطهم بالمظلات وحسب، بل وجدوا أنفسهم يحملون حقيبة «مفخخة». لذا، لم يسلم أي وزير من «المساءلة»، ويحاكم على «تركة ثقيلة» ورثها عن وزراء سابقين أشهروا قبله إفلاسهم وفشلهم الذريع في تمكين المغاربة من «السميك الصحي».
 
هو «إرث» من الفساد والتدبير الفاشل لقطاع يتعامل مع «أرواح» المغاربة بمنطق الاحتقار والتجاهل، ينتقل من حكومة إلى أخرى، و"عدوى" تستشري بين وزراء الصحة.
 
فمن يحمل وزر كل هذه «المطبّات»؟ 
 
ليس الطبيب من أصبحت تشير إليه اليوم «أصابع الاتّهام». 
 
ليس الممرض الذي وجد نفسه أعزل في سبيطار «بلا داو وبلا حقن». 
 
ليس المريض الذي وجد نفسه بين «مطرقة» رداءة الخدمات الصحية بالقطاع العام و«سندان» ارتفاع فاتورة العلاج بالقطاع الخاص وتواطؤ شركات التأمين والتعاضديات وشركات الأدوية، التي تنهش جيوب الموظفين والمستخدمين بدون خدمة فعالة وتغطية صحية معقولة، لأن الحكومة والبرلمان باختصار قدما استقالتيهما مبكرا وقدّما المواطنين كقرابين لـ «مافيا» التأمين الصحي.
 
نعم، هناك أطباء فاسدون (مثلما هناك فاسدون في كل المهن وفي كل الحرف وفي كل القطاعات)..
نعم، هناك ممارسات مشينة يقوم بها هذا الطبيب أو ذاك، وتقع هذه الممارسة بهذه المصحة أو ذاك المستشفى، لكن ذلك لا ينهض للطعن في شرف الأطباء والممرضين والعاملين بالقطاع الصحي ككل (في القطاع العام أو الخاص)، وكأن كل من يرتدي وزرة بيضاء بالمغرب هو ذئب على أهبة افتراس المريض.
 
لا مجال للحديث عن "دولة حقوق الإنسان" وعن "الدولة الاجتماعية"، والمغرب فشل فشلا ذريعا في ضمان الحقّ في الصحة، والحق في تغطية صحية شاملة والحق في «الحياة». 
 
من هنا، فأيّ حديث عن «خيانة الأطباء» هو ضرب «تحت الحزام» لأطباء غير مسؤولين عن «هشاشة» القطاع الصحي، وغير مسؤولين عن جرائم الحكومة والبرلمان الذين ينهشون المال العام لتسمين امتيازاتهم بدل الانكباب على تجويد عيش المغاربة وتأمين حقهم في العلاج الآدمي والإنساني.
 
نقطة الانطلاقة كانت «خاطئة» لمحاكمة الأطباء عن منظومة اخترقها الفساد، بدليل الأعداد الكبيرة من الأطباء المغاربة الذي ركبوا «قوارب النجاة» و"حركوا" إلى «الفردوس» الأوروبي.. أما «قوارب الموت»، فهي التي يركبها حاليا وزراء وبرلمانيون وولاة ورؤساء وأطباء ومسؤولون فضّلوا التعايش مع «الفساد» واختلال موازين الصحة لإنقاذ «أرواح» المغاربة.
 
يحلو لي دوما الاستشهاد بكوبا التي تعد نموذجا رائدا في المجال الصحي، وتغلبت على كل الإكراهات والعراقيل التي خلقتها لها إدارة واشنطن.
 
فحين وصل فيديل كاسترو إلى الحكم عام 1959، أرادت أمريكا تركيعه عبر اعتماد خطة استقطاب معظم أطباء كوبا وتهجيرهم من البلد عبر إغرائهم بالمال الوفير والمنصب. فتم فعلا تفريغ كوبا من الأطر الطبية (كان في البلاد وقتها حوالي 6000 طبيب وممرض). لكن بقدر ما كانت خطة الولايات المتحدة موجعة لكوبا في بداية الثـورة، فإنها كانت الفرصة الذهبية لتعبيد الطريق لتصبح كوبا منارة طبية، ليس في جزر الأنتيل وبحر الكاريبي فقط، بل وفي أمريكا اللاتينية ككل، قبل أن تصبح مضخة تصدر الأطباء والممرضين إلى العالم. إذ ضدا في أمريكا، قرر كاسترو آنذاك، بناء كليات الطب (تتوفر كوبا الآن على 34 كلية للعلوم الصحية، بينما المغرب لا يتوفر بالكاد سوى على 10 كليات نصفها غير مجهز وبدون أساتذة كافيين أو غير مكتملة التجهيز)، كما قرر كاسترو الاستثمار في التعليم والصحة، وهو ما جعل كوبا اليوم تحصد ما زرعته في العقود الماضية.
 
ترى ماذا سيكون عليه وضع المغرب بعد 6 أو 7 سنوات إن قلدنا نموذج كوبا بدل استمرار كل حكومة، تولت الشأن العام، في الضحك على ذقون المغاربة واحتقار ذكائهم؟!