فريد بوحي: كيف يمكن ضمان العدالة الصحية في ظل نزيف الأطر الطبية؟

فريد بوحي: كيف يمكن ضمان العدالة الصحية في ظل نزيف الأطر الطبية؟ فريد بوحي
الوضع الصحي في المغرب يثير الكثير من التساؤلات. فبالرغم من أن الجامعات والمعاهد المتخصصة تخرج سنويا أعدادا مهمة من الأطباء، إلا أن نسبة كبيرة منهم يفضلون الالتحاق بالقطاع الخاص أو الهجرة إلى الخارج بدل الالتحاق بالمستشفيات العمومية.
 
والسبب في ذلك يرجع إلى ظروف عمل صعبة داخل القطاع العام، مستشفيات مكتظة، نقص حاد في التجهيزات والأطقم الطبية، وأجور ضعيفة لا تعكس حجم المسؤولية ولا قيمة التضحيات المبذولة، في الوقت الذي يوفر فيه القطاع الخاص دخلا أفضل وتجهيزات متطورة وحرية أكبر في الممارسة، مما يدفع الأطباء إلى البحث عن الاستقرار المهني والمادي خارج المنظومة العمومية. غير أن السؤال الجوهري يبقى مطروحا: كيف يمكن ضمان العدالة الصحية والحق في العلاج إذا استمر نزيف الأطر الطبية من المستشفيات العمومية، وأين تبقى الرسالة النبيلة والإنسانية لمهنة الطب؟ إنقاذ هذا القطاع يقتضي إرادة قوية وإجراءات عاجلة تتمثل في تحسين ظروف العمل داخل المستشفيات العمومية، والرفع من الأجور ومنح تحفيزات خاصة للعاملين في المناطق القروية والنائية، مع التفكير في الاستعانة بأطباء أجانب لسد الخصاص على المدى القريب. وفي مقابل هذا الوضع الصعب بادرت الدولة عبر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى إطلاق سلسلة من الإصلاحات الكبرى في إطار الورش الملكي المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية، حيث تم الشروع في بناء وتجهيز مستشفيات جديدة وتوسيع شبكة المراكز الصحية، وإقرار تحفيزات مادية ومعنوية للأطر الصحية خصوصا في المناطق النائية، وتعميم التأمين الإجباري عن المرض ليشمل جميع المواطنين بمن فيهم الفئات الهشة والعمال المستقلون، إلى جانب إصلاح منظومة التكوين عبر الرفع من الطاقة الاستيعابية لكليات الطب والمعاهد الصحية، وتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل استغلال أمثل للموارد، فضلا عن الرفع التدريجي من ميزانية الصحة لتحديث المعدات وضمان عدالة ترابية في الولوج إلى العلاج.ورغم أهمية هذه الإصلاحات التي ما زالت في طور التفعيل، فإن الواقع اليومي للمواطنين يظل مؤلما، إذ ما زال المرضى يواجهون مواعيد علاجية تمتد لأشهر أو حتى لسنوات، وأقساما استشفائية تعاني من خصاص في الأطر المؤهلة، واعتمادا متزايدا على المتدربين في أقسام الاستعجال، فضلا عن اكتظاظ يفقد المريض أبسط شروط الكرامة. ورغم غياب إحصائيات رسمية دقيقة حول عدد الضحايا الذين يفقدون حياتهم بسبب طول الانتظار، فإن الدراسات المتوفرة تكشف حجم المأساة، حيث أظهرت الأبحاث أن حوالي ستة وسبعين في المئة من الوفيات الأمومية في المغرب تعتبر وفيات كان يمكن تفاديها، ويرتبط ذلك أساسا بتأخر في طلب الرعاية وضعف المتابعة الطبية ونقص الموارد البشرية. كما أن عدد الأسرة في المستشفيات العمومية لا يتجاوز 0.9 سرير لكل ألف نسمة وهو معدل بعيد عن المعايير الدولية، فيما يغطي كل طبيب في القطاع العام حوالي 1630 مواطنا وكل ممرض أكثر من 1100 شخص، إضافة إلى أن المغرب يحتل مرتبة متأخرة في المؤشرات الدولية لجودة الأنظمة الصحية مع معدل رضا ضعيف للمواطنين لا يتجاوز 33 على 100.
 
إن هذه الأرقام، إلى جانب الشهادات اليومية للمواطنين، تكشف أن كل تأخير في الإصلاح يعني مزيدا من الأرواح المهدورة ومعاناة لا تحصى. الإصلاح الصحي لم يعد خياراً بل ضرورة وطنية ملحة، والصحة حق دستوري لا يمكن أن يبقى معلقا بين تفاوت القطاعين العام والخاص.
 
المطلوب اليوم ليس فقط وعودا أو برامج على الورق، بل تفعيل إصلاحات ملموسة تعيد الثقة إلى المنظومة الصحية الوطنية وتمكن كل مواطن من حقه الكامل في الولوج إلى خدمات صحية ذات جودة، لأن كل يوم يمر دون ذلك يدفع ثمنه مواطن في صمت داخل أسوار المستشفيات العمومية.
 
فريد بوحي، أستاذ محاضر بالمعهد العالي للمهن التمريضية والتقنيات الصحية  بمكناس